محمد آل عباس

قبل عدة أشهر كتبت مقالا في ذكرى اليوم الوطني، تضمن قصة عن حال بعض مناطق المملكة قبل ما يقرب من 80 عاما، صورة الجوع والمرض والموت، عنوان حقبة تاريخية مؤلمة، لم تكن الدولة قد أكملت بنيانها ولا مؤسساتها، واليوم تأتي جائحة "كورونا" لنرى نعم الله علينا، لقد تغير الحال تماما مع استكمال الدولة كل مؤسساتها الأمنية والصحية والتجارية، والمالية وغيرها، ونرى الآن كيف أن الدولة بذاتها وقيامها نعمة من نعم الله التي تتطلب الشكر، ومع القيادة الحكيمة والرأي السديد، وبتوفيق الله أولا وقبل كل شيء نلمس الفرق واضحا، فلا جوع مع "الجائحة"، ولا تدهور في الحالة الصحية العامة، والمتأثرون بالمرض قليلون، فالدولة نعمة عظيمة، والمحافظة عليها واجب.

مع الدولة السعودية اليوم تغير كل شيء وانقلبت الموازين، وبعد أن كان شعب المملكة يعاني المرض والجوع وحده معزولا عن العالم، أصبحت المملكة اليوم ترأس قمة الدول العشرين الأكبر اقتصادا في العالم، نحن هنا في القمة تماما، الجميع ينتظر رأي المملكة وقرارها، لم نعد تلك الأمة المهمشة، في وسط صحراء أو بين أودية الجبال. أصبحنا بحمد الله ثم بفضل هذه القيادة الحكيمة، صناع القرار العالمي، ومن هنا تماما سيتم اتخاذ قرارات بشأن توجيه الموارد العالمية، من الأولى بالرعاية، ونحن نتمتع بهذه النعمة الجليلة من المكانة العالمية المرموقة فإننا نحمد الله العظيم وحده ونقولها بأعلى صوت، "ما لا حد منه"، "الله اللي عزنا"، لكن هذا يحملنا كثيرا من المسؤوليات، فالمحافظة على هذا الإرث من الإنجاز يجعلنا اليوم أكثر حرصا، ونركز تماما على المزايا النسبية التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه، ونؤكد استثمارنا فيها، ونحافظ على مواردنا وحق الأجيال المقبلة.

الوباء في زمن الدولة يجعل الفرق واضحا بين الاقتصادين الجزئي والكلي، فالاقتصاد الكلي مشكلة الدولة التي عليها أن تعمل على ضبط توازن قوة محركات الاقتصاد، فلا تضعف ولا تحترق، والدولة تراقب كل قطاع من خلال مؤشراته، كما تراقب حركة النقد وكمياته، وفي دولة بحجم المملكة ومواردها فلا معنى لأي قلق بشأن حالة الاقتصاد الكلية وهذا بحمد الله وفضله علينا، فنحن ما زلنا نمتلك موارد كبيرة من سلع ذات طلب عالمي قوي، كما أن هذه الموارد تخضع لإدارة الدولة، وفي المقابل هناك الاقتصاد الجزئي وهو اقتصاد الشركة الواحدة، ويمكن إسقاط أفكاره حتى على الأسرة والعائلة، هنا يكون المسؤول عن الشركة أو الأسرة هو صاحب القرار، وليست الدولة، وقراراته تحدد مصير هذه الأسرة والشركة، وفي زمن الوباء قد يتخذ البعض قرارات ضارة جدا، مع غياب التصور الحقيقي للأحداث أو الاستسلام للشائعات، والتهويل، والوعيد، وهي تنتشر بكثرة في مثل هذه الظروف وقد ازدادت مع وسائل التواصل الاجتماعي. ولهذا قد يحدث انهيار اقتصادي وإفلاس تام على مستوى المؤسسة والفرد حتى لو كان الاقتصاد الكلي مستقرا، لكن هذا يحدث إذا كانت الأوضاع سيئة قبل الأزمة، والبعض قد يتعرض لذلك بسبب قرارات متهورة.

في مثل هذه الظروف التي تفرض الدولة سيادتها على الاقتصاد الجزئي من حيث إغلاق المحال والشركات وفرض حظر التجول، قد يتعرض البعض لضغوط كبيرة من جراء هذا التوقف، فتتزايد المطالبات من إيجارات وأقساط ورواتب وتأمينات بينما المحل أو الشركة مغلقة تماما ولا تحقق تدفقات نقدية كافية، في مثل هذه الظروف فإن قرارات المحافظة على الأصول تعد ذات أهمية قصوى استراتيجية، وأقصد هنا المحافظة عليها صالحة للعمل، ستعود الأعمال سريعا، ويجب أن تكون الأصول جاهزة. بعض الأصول المهمة تكمن في العمالة الماهرة، يجب المحافظة عليهم، لا تخش الدين والالتزامات فقدرتك على الاستدانة جزء من ثروتك وحان الآن الوقت لتستخدمها، الاستفادة من التسهيلات المصرفية جزء آخر من الحلول. ولا تقلق من الدفع لاحقا، فالتدفقات بعد الأزمات العامة تكون كبيرة وكافية لتغطية الديون، ولفهم هذا التصور فإن توقف أعمالك هو ضمن توقف شامل، وهذا يشمل حركة النقد التي تتراكم عند معظم الناس، ولهذا فإن قدرتهم على الشراء بعد انحسار الأزمة تعوض كل التوقف السابق، وهذا على جميع الأصعدة، فرغبة الناس في دخول المطاعم تتزايد، ومن تأخر في إصلاح سيارته سيبادر، ومن له رغبة في السفر سيعزم عليها، هذه الحركة بقدر ما هي جيدة بقدر ما هي مخيفة، ذلك أنها تشبه التسونامي، وعليه فإن من فقد مرونته، وقدرة أصوله على الحركة أو العمال على العمل، فقد يفقد حصة ثمينة جدا من طوفان الشراء بعد الأزمة. لذلك لا تتردد في المحافظة على أصولك جيدة ومنتجة.

ما أود قوله وكما نقله بعض وكالات أنباء عن البروفيسور مايكل لويت Michael levitt وهو الذي استطاع تحديد حجم الإصابات في الصين والوفيات من خلال المعادلات الإحصائية، وهو الذي يقول الآن: هذه "الجائحة" قاربت على الانتهاء، كما أن الاقتصاد الكلي -بحمد الله- في أيد أمينة، والموارد كافية، لكن هذا لا يعني أن اقتصاد الفرد منا سليم بالضرورة، فهذا مرهون بقرارات الفرد نفسه، الخوف من حديث أن الأزمة ستطول جدا، والاقتصاد العالمي سينهار، يجعل البعض في مهب الريح. قف شامخا مع دولة شامخة، وبإذن الله ستمر هذه الأزمة بأسرع مما نتصور، وهناك في الأشهر المقبلة طوفان من الشراء، فالمواسم المقبلة كثيرة، كما أدعو من يريد الاستثمار أن يكون جاهزا فالفرص ستكون كصيد سهل، والله أعلم وهو من وراء القصد.