كما في طرابلس كذلك في حيّ السلم. وكما في عكار كذلك أحزمة البؤس حول بيروت، شمالاً وجنوباً... إنه الجوع يا زعيم.

الجوع الحقيقي الذي يدفع الجائعين الى الشارع ليتناتشوا الحصص التموينية من بعضهم البعض.

والذي لا تشبعه أناقة التبرعات ومزايدات الزعماء المسارعين الى المشاركة في الموسم الفولكلوري، والمتباهين بفتح الفنادق على حسابهم للحجر الإلزامي، في حين يبقى المطلوب دولة تؤمّن لأبنائها خبزهم كفاف يومهم.

والذي يدفع المنتمين الى فئات واسعة، شعارها الوحيد "اذا لم نعمل نموت وتموت أسرنا"، الى التظاهر وقطع الطرق، غير عابئين بما يشكله خروجهم من تهديد قد يؤدي الى ما يشبه الانتحار الجماعي، فقط للتنديد بإجراءات الحكومة التي لا تستقوي الا على مصادر رزقهم من دون مبادرات فعالة وسريعة، وإتخامهم بـ"كورونا اللجان" المتفشية أكثر من الفيروس نفسه.

إنه الجوع الكافر بسيناريوات مكلفة وسفسطائية وإستعراضية على حساب لبنانيين مقهورين لعجزهم عن العودة الى بلادهم هرباً من الفيروس ومن الحاجة.

وقمة الكفر والقرف، يقود إليها من يسارع الى المتاجرة بالقهر وبالمعاناة "الكورونية"، ويعتبرها فرصة لحثِّ الحكومة على المبادرة الى حوارٍ مسؤولٍ مع النظام الأسدي لإعادة من هجَّرهم عن سابق تصور وتصميم، ليتخلص منهم ويعيد بناء ديموغرافية سكانية تبقيه في سلطة شكلية، وفق شروط على قياس محور الممانعة، وبمساعدة أذرعه وأتباعه، وخصوصاً المتشاطرين منهم، والمتعامين على مصادرته البلد بما فيه من سيادة وسياسة ومؤسسات.

بالعربي الدارج، في زمن الجوع تأتي "بايخة" هذه الدعسة الناقصة، ومعها هذا التشاطر المكشوف والتشبيح الإعلامي المقيت، والتصرف وكأن الحكومة كائن منفصل بذاته، ويمكن مطالبتها بأي إجراء، أو مساءلتها لدى أي تقصير، في حين يعرف المتشاطر أنها "خيال ظل" لهذا المحور وأتباعه، وهو منهم على رأس السطح. وكل ما يجري يظهر التناتش والمحاصصات والبطاقات الحمر التي تُرْفَع بوجهها إن هي حادت عن تطبيق الأجندة السائرة على منوالها.

لذا لا وقت لهذه "الحركات الممجوجة" بحيث أبيع هنا بتشريع فتح حوار مع النظام الأسدي لأشتري هناك تطنيشاً على جوعي العتيق. فالأمر مفضوح في زمن الجوع يا زعيم، وتحديداً الى الرغيف والأمان الاجتماعي، وليس الى السلطة والاستئثار بالتعيينات وابتلاع المراكز لتوسيع دائرة السلطة والمحسوبيات. حتى لو سارع زعيم الزعيم الى ضبط إيقاع "خيال الظل".

ويا زعيم الزعيم، حتى تاريخه، يبدو أنك تُنَظِّر بشأن مصير من تصنفه في خانة الشياطين، وتستثني نفسك، وكأنك ستبقى أنت أنت بجوع أو بغيره، بالتالي مهما بلغت خطورة انتشار "كورونا"، فهي لا تختلف عن غيرها من الأحداث المتوجب، شرعاً، استثمارها لنفوذك.

ولا ندري إن كنت قد حضرت الخطط اللوجستية لمواجهة جماعتك وجماعات غيرك من صغار الزعماء عندما سيتفشى عنف جوعهم، حين نصبح في زمن ما بعد "كورونا".. هل ستواجههم بالتكفير وتتهمهم بالعمالة وتصنفهم وفق الطائفة والمذهب، أم ستتركهم يأكل اليابس من جيوب زملائهم في الفقر، لأن همك أن تدير البلد وفق معادلاتك التي سمحت لمن يحظى بالبركة والرضى بأكل الأخضر... ودبروا حالكم.