في الأسابيع القليلة القادمة ستضطر البشرية للمفاضلة بين ضرورتين، الاولى وقف انهيار الاقتصاد العالمي وعودتها لإنتاج ضرورات الحياة وفي مقدمتها الزراعة والصناعات الغذائية، والثانية الاستمرار في محاولات السيطرة على جائحة (كوفيد ـ 19) بالاساليب المعطلة للانتاج كالعزل والحجر والتباعد الاجتماعي مع تكثيف البحث في امكانية السيطرة عليها دون تعطيله، بعد ان اعلنت أكبر المصارف الأميركية ومنها غولدمان ساكس ومورغان ستانلي عن تغير التوقعات بحجم الناتج الاجمالي الأميركي المحلي من النمو إلى الانخفاض بنسبة 30%.

وتزامن هذا مع تصريح رئيس البنك الاحتياطي الفيدرالي في سينت لويس جيمس بولارد بأن الاقتصاد الأميركي سينخفض 50% ما يعني كارثة اقتصادية ستؤثر حتما على إنتاج الغذاء ومبيعاته، تبنت ادارة الرئيس ترامب ومؤيدوها من كبار رجال المال والاعمال، وأولئك الذين ترتبط معيشتهم بعملهم اليومي كالمزارعين والعمال غير المهرة، واصحاب الاعمال الصغيرة والمتوسطة، الدعوة الى عودة البلاد الى الاحوال شبه الطبيعية رافعين شعارا يقول ان الشفاء ليس مبررا للموت جوعا ويدللون على صحة وجهة نظرهم بضرورة عودة الحالة الطبيعية للبلاد ورفع الحظر بان مخازن الغذاء على مستوى العالم لن تكفي إلا لاسابيع قليلة، فلابد اذن من عودة المزارع لحقله وموظف المصرف وعامل النقل والبحارة وغيرهم من العاملين في تسويق المنتجات الزراعية إلى أعمالهم و ان تقتصر مواجهة «كوفيد ـ 19» على علاج المرضى وتقوية مقاومة المجتمع للمرض بالتعقيم وزيادة مناعة الافراد، ويرون ان هذا يمكن تنفيذه في وجود طرق الفحص الحديثة والمطورة التي تتيح قراءة النتائج للعامة وتظهرها في دقائق معدودة ـ وقد اعلن الرئيس الأميركي عن انتاجها وتوزيعها اثناء كتابة هذا المقال ـ وبتكثيف التوعية بسبل المقاومة الشخصية وتشجيع الدولة لأبحاث التوصل للعلاج الشافي.

الكويت بحاجة الى قرار بشأن التوقيت الصحيح للعودة بالبلاد الى الاحوال الطبيعية يتطلب اجراء تقدير للموقف يقوم على اساس عمليات تقصي مستفيضة لامكانات البلاد المالية وقدرتها على الحفاظ على اقتصادها بقدر مقبول من التراجع لفترة معلومة مع ضمانها لتدفق احتياجاتها الضرورية كالمواد الغذائية والطبية وغيرها ويتماشى وتوجهات العالم بهذا الشأن وينسجم معها.

ان نقص انتاج الغذاء في دول الخليج العربية مسألة حيوية تلقى اهتماما خاصا منها، فالكويت والامارات وقطر والبحرين تستورد 90%‎ من غذائها وتستورد السعودية 85% منه، اما عمان فتستورد 60% فقط من احتياجاتها الغذائية، يتطلب من هذه الدول مراعاة احتمالات امتناع منتجو الغذاء عن تصديره حماية لمخزونهم الاستراتيجي كما امتنعت كازاخستان مؤخرا وهي احد اهم منتجي الحبوب في العالم عن تصدير انتاجها، وامتنعت اوروبا وأميركا عن دعم شريكتهما ايطاليا بأجهزة التنفس الصناعي حرصا على مخزونيهما، هذا وقد يتسبب تعطل اي من الاعمال الوسيطة كأعمال النقل البحري في تعطل وصول الصادرات إليها.