كنت أسمع عنه كل جميل وذاك عقب عودتي من البعثة عام 1978 حيث تعينت في جدة بينما كان الدكتور عبدالعزيز خوجة وكيل شطر الجامعة في مكة، وحينها كانت جامعة الملك عبدالعزيز تضم ثلاثة أفرع هي الفرع العريق في مكة والفرع موقع الإدارة في جدة وفرع في المدينة المنورة، وطبعاً فمكة هي الأعرق من حيث النشأة وكنا نسمع عن اسم الدكتور خوجة مقروناً بالثناء من زملائنا هناك، وما لبث أن أصبح وكيلاً لوزارة الإعلام في شراكة راقية مع الدكتور محمد عبده يماني، وهي شراكة صنعت فريق عمل التفت للجانب الثفافي لوظيفة الإعلام، وحدث أن مدير مكتب الوكيل هو الأستاذ عايض الخشيم وهو زميل لي منذ الدراسة الجامعية وكنت أعرف منه كل خفايا وزارة الإعلام حينها من تحديات ومن ظروف تمر دون إنذار مسبق وبعضها حساس جداً ودقيق، وكان يصف لي كيف كان الدكتور خوجة يدير المفاجآت بأسلوب حكيم ورزين تعلم منه كل الموظفين في المكتب، ويضاف لذلك تبني الدكتور خوجة لأي مقترح يأتيه من شباب طموح يرغبون في صناعة مادة إعلامية من إنتاج سعودي، ومنهم الأديب محمد رضا نصر الله الذي وجد تجاوباً مباشراً من الدكتور خوجة لفكرة برنامج ثقافي حواري مع المفكرين والرواد، وكان نصر الله حينها لما يزل فتياً ولم يك له تجارب سابقة ولا أي خلفية غير طموحه وتطلعاته وتجاوب معه خوجة ليمنحه كل ما يتطلبه البرنامج من شروط الإعداد والإنتاج وجاءت حلقات برنامج (الكلمة تدق ساعة) وهو أهم برنامج ثقافي في مطلع الثمانينات وكان جريئاً وقوياً وأحضر للشاشة وجوهاً مهمة من كل أرجاء الوطن العربي، ولا شك أن الدكتور خوجة كان هو السند القوي للبرنامج مع وجود الدكتور محمد عبده يماني الذي كان هو من أطلق شارة العمل واختار لها رجالاً مثل عبدالعزيز خوجة باختيار موفق ومسدد صنع النجاح وترك ذاكرة ثقافية حية تفي للدكتور خوجة كلما جاء ذكره في أي مناسبة تشير إلى العمل الثقافي الإعلامي.

وصاحب هذه الذاكرة العملية ذاكرة أخرى إبداعية تتصل بشاعرية الدكتور خوجة وهي التي لم تك في علمنا وكنت أول ما سمعت عن شاعريته من الأستاذ مطلق الذيابي الذي ذكر لي أن الدكتور خوجة شاعر وأن له ديوناً في الطريق، وهو ديوان (حنانيك) الذي ما لبث أن صدر، وكنا نتظارف حينها ونقول عن الكيميائي الشاعر كما نقول عن المهندس الشاعر والطبيب الشاعر، والأشهر حينها هما علي محمود طه المهندس وإبراهيم ناجي الطبيب، وقلنا سنضم خوجة الكيميائي لشلة العلماء الشعراء، وما لبثت أن ظهرت دواوين خوجة تترى لتضمه لشعراء الرومانسية ابتداء إلى أن دخل للشعر الصوفي الشفاف وتطعمت نصوصه بروح الصفاء الإيماني والمحبة والروحانية، وظلت نصوصه تتوالى مرتبطة برحلاته المكانية في أرجاء المعمورة سفيراً لبلده يمثل بلد الحرمين الشريفين ويخدم الوطن والمواطنين في مواقف له مشهودة ومعروفة وقت أزمات تمس الناس وتخوف أمنهم كما حدث في حوادث حروب في لبنان، وكان للدكتور خوجة دور راق حين استقبل توجيهات الملك عبدالله بترحيل السعوديين فوراً لحمايتهم من الخطر، وتولى الدكتور خوجة بإتقان وإنسانية شهد له بها كل المواطنين، خاصة النساء اللواتي مررن بظروف صعبة وقت الإخلاء وما يتطلبه الموقف من ترتيبات دقيقة لحمايتهن من القصف والتفجيرات، وكان في ذلك قصص مخيفة يسر الله أمرها وأنهاها بسلامة، وهذا موقف يكشف عن رجل نفذ أوامر القيادة بإتقان وإنسانية وجاءت العواقب كله سليمة -ولله الحمد-.

هذا هو الدكتور عبدالعزيز خوجة الذي لم يسند له عمل إلا وتولاه خير الولاية وأبلغ فيه حدود الغاية مع تطعيمه بحس إنساني رفيع وذكي ومخلص، ولن أنسى له أنه هو من أعاد الانتخابات للأندية الأدبية، وهي الانتخابات التي ابتدأها فيصل بن فهد ثم أوقفها وزير جاء من بعده، ولكن الدكتور خوجة وعد المثقفين فور توليه وزارة الإعلام بأنه سيعيد الانتخابات ووفى بوعده ليكرر بذلك مواقفه المشرفة في هذه الوزارة ابتداء من كونه وكيلاً لها زمن الدكتور يماني ثم عاد وزيراً لها، وكان مبدعاً في الحالين وصاحب قرارات حاسمة في الزمنين.