مدة القراءة: 6-8 دقائق


"على الأمريكيين أن يكونوا مستعدين لأسابيع مؤلمة رغم وجود ضوء في نهاية النفق"

دونالد ترمب، رئيس الولايات المتحدة
تبحث في الأرجاء عن خبر اقتصادي يحرك تفاؤلك الهامد، فلا تجد شيئا. ليس على الساحة سوى تلك الأخبار التي تحمل أرقاما مرعبة عن الاقتصاد العالمي ككل. تماما مثل تلك التي تحصي أعداد الموتى والمصابين من فيروس كورونا المستجد، الذي يضرب في كل الاتجاهات. على الصعيد البشري، لم يكن هناك وقت حتى لاستيعاب صدمة وصول المصابين بهذا الوباء إلى حاجز المليون حول العالم، لماذا؟ لأن هذا المليون صار رقما سابقا في ساعات قليلة، لتمضي الأعداد إلى حواجز مرتفعة أخرى، وكأنك تتابع عداد سيارة تسير بأقصى سرعة لها. في حين، أن التوقعات بوصول هذه الأعداد إلى ملايين عدة في الفترة القصيرة المقبلة، باتت الحديث الأكثر حضورا انطلاقا من السرعة الفائقة لتفشي هذا الفيروس القاتل.

أما على الصعيد الاقتصادي، فالأمر شديد القتامة أيضا. تكفي الإشارة فقط إلى أن اقتصادات بأكملها توقفت فعليا مع استثناءات قليلة تنحصر في الواقع، في توفير الرعاية الصحية والموارد الغذائية والدوائية. فالإنتاج توقف، والخدمات كذلك، انتظارا لمخرجات هذا الوباء، في ظل عجز واضح على الساحة الدولية، عن العثور على مكبح له على الأقل. العالم ببساطة، وقع في أسر كورونا، ولهذا الأسر تبعات لن تنتهي سريعا. فكل أزمة اقتصادية لها روابطها حتى بعد أن يتم إعلان انتهائها رسميا. لها آثارها اللاحقة، واستحقاقاتها المقبلة، حتى ثقافتها الجديدة. ووفق هذه الحقيقة، سيواجه العالم إرثا غير مرغوب فيه، ستتركه في الأرجاء أزمة لم يكن أحد يتوقع عنفها وعدوانيتها وتوسعها، إلى درجة أن حكومات لدول كبرى قللت من شأنها إلى حد السخرية، قبل أن تضربها في عمقها الاستراتيجي.

الاقتصاد العالمي يواجه الآن استحقاقات الأرقام الصادمة. وهي أرقام غير نهائية؛ ما يعني أنك ستتعامل مع حالة متغيرة على مدار الساعة، لا مع مسألة توقفت عند حدود واضحة. الأضرار نالت الجميع؛ أي ليس هناك من هو محصن. فالتشابك الاقتصادي العالمي، كان له الفضل في تعريض الجميع للمخاطر. وهذا أمر طبيعي. لكن غير الطبيعي هنا، أن العالم لم يكن يدرك مدى هذه المخاطر. ولعل هذا ما يبرر تعرض كل الحكومات الغربية "على سبيل المثال" للانتقادات التي لا تتوقف، حول طريقة تعاطيها الأولى مع الوباء. بل تعرضها للهجوم في مرحلة لاحقة، بسبب التخبط الواضح في تعاملها مع أزمة الوباء؛ فضلا عن الفجوات التي ظهرت على السطح على صعيد الرعاية الصحية في دول يفترض أن تكون جاهزة لكل الاحتمالات.

ولأن الأرقام التي تخص الاقتصاد العالمي متغيرة نحو الأعلى بالطبع، فالتوقعات حول مستقبل هذا الاقتصاد صارت تلقائيا متغيرة. ولذلك تجد المؤسسات التي تختص بالتصنيف، تصدر تقييماتها بتواتر سريع للغاية، يتماشى مع سرعة الأرقام التي تجسد الأضرار التي لحقت بالاقتصاد المشار إليه. حتى الآن، تدور التقديرات الآتية من المؤسسات الدولية المختصة، حول نمو الاقتصاد العالمي قرب الصفر، في حين كانت التوقعات قبل كورونا تشير إلى بلوغ النمو العالمي 3.3 في المائة مع نهاية العام الجاري. ووفق وكالة "ستاندرد آند بورز"، فإن الولايات المتحدة ستشهد انكماشا هذا العام في حدود 1.3 في المائة، في حين سيصل الانكماش في منطقة اليورو إلى 2 في المائة. ومع ذلك فإن هذه التقديرات قابلة للتغير نحو الأسفل استنادا إلى وتيرة هجمة الوباء. دون أن ننسى، أن الوكالة نفسها توقعت هبوط الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بنسبة 12 في المائة في الربع الثاني من العام الحالي.
هناك تنافس حول من سيكون الأكثر تضررا من جراء الوباء: الاقتصاد الأمريكي، أم اقتصاد منطقة اليورو؟ وأيا كان الفائز؛ فالأضرار كبيرة على الاقتصادين، لأن الهامش في هذا المجال لن يكون كبيرا بينهما. وكذلك الأمر بالنسبة لاقتصادات مناطق أخرى كشرق آسيا، والمحيط الهادئ وإفريقيا وغيرها. العالم الآن في مرحلة الإنقاذ. إنقاذ البشر من وحشية كورونا، وإنقاذ مستقبلهم الاقتصادي. ولذلك تم ضخ المليارات في الاقتصادات كلها؛ للحيلولة دون وصولها إلى مستويات يصعب لاحقا إنقاذها، أو على الأقل إلى وضعية تكون تكاليف هذا الإنقاذ باهظة جدا. لنترك جانبا الديون التي ستتحملها الأجيال المقبلة من جراء هذه النجدة الاقتصادية. فلا مفر من ذلك، من أجل حماية كل المكتسبات الاقتصادية. فالتاريخ دائما يسجل، أن الأزمات الكبرى تصنع ديونا كبرى، تقيد في ملفات من لم يولدوا بعد.

ليست هناك حلول أخرى، ولا توجد بارقة أمل واحدة عن إمكانية توقف هذا البلاء في وقت قريب. ويبدو أن فترة انتظار الأخبار غير "السوداوية" عن الاقتصاد العالمي، لن تكون قصيرة، في ظل ما هو موجود على الأرض في الوقت الراهن. ورغم أن التشابك العالمي كان أحد أسباب التفشي السريع للوباء، إلا أنه الآلية الأقوى للقضاء عليه.