جهاز أبوظبي للاستثمار، هو أحد أكبر ثلاثة صناديق سيادية عالمية، معلومة قد لا تكون جديدة، ويعرفها كثيرون، لكن ما لا يعرفه البعض هو أن الجهاز أفضل جهة في دولة الإمارات من حيث الحوكمة وإدارة المخاطر، والأهم من ذلك، بل والشيء الجميل الذي يدعو إلى الفخر، أن من يديرون ويعملون بإدارة المخاطر هذه، هم رجال وشباب إماراتيون، يخافون على سمعة وطنهم، وحريصون، بإخلاص منقطع النظير، حينما يخططون ويعملون ويستثمرون أموال الحكومة، لذلك كان النجاح حليفهم.

أضرب اليوم بهم مثلاً لكل من يعتقد أن الكفاءات الوطنية لا تستطيع إدارة المخاطر في البنوك والمصارف الوطنية، ولكل من يحاول إبعاد هؤلاء المواطنين عن العمل في هذه الدائرة المهمة، وهذا المجال الحيوي والحساس، ومهما كانت الأسباب، فهل لايزال هؤلاء يعتقدون أن هيمنة جنسية معينة على دائرة صنع القرار في البنوك، إجراء صحيح وآمن؟ أم أن نظرتهم يجب أن تتغير اليوم بعد مصيبة الانكشافات الأخيرة، التي كشفت المستور في هذا القطاع؟!

الصدمة كبيرة، والغريب أن الأسباب التي أدت إليها معروفة، ويجب ألا نخلي طرف أحد من المسؤولية، فجميع المسؤولين عن تلك البنوك مسؤولون عما حدث، فكما هم يحصدون المكافآت السنوية، ويحصلون على نسبة من الأرباح كل عام، هم اليوم مسؤولون عن خسارة وضياع المليارات، بل ويتحملون عواقب ما حدث، لأن الأرقام التي نتحدث عنها لا يمكن إغفالها، ولا يمكن إخفاؤها من البيانات، فأين هم عنها؟!

لا أتحدث هنا عن أشخاص، ولا أعني أحداً بشخصه، بل حديثي عن مناصب إدارية، وكل من يتولى منصباً هو مسؤول بالضرورة عن تبعات هذا المنصب، لذا لا يمكن إخلاء مسؤولية مجالس الإدارات، لأنها بكل بساطة لم تمارس اختصاصاتها التي نص عليها القانون، وعقود التأسيس، على ما يبدو، لذا نحمّلها المسؤولية لأنها بالضرورة لم تخصص الوقت المناسب لمتابعة أعمال البنوك، ومن المرجح أن اجتماعاتها لم تكن مركزة، ولم تكن دقيقة، ولم تكن كما ينبغي من درجة التمحيص والتدقيق والنظر في كل رقم وتحليله، ومن الواضح جداً أن لا أحد منهم بحث ودقق في التقارير والبيانات، ومن الواضح، أيضاً، الاعتماد على الغير، من خلال التفويض شبه المطلق في منح التسهيلات للإدارات التنفيذية، وإلا كيف مرت هذه المليارات من دون أن يلاحظها أحد؟!

ما حدث أسبابه معروفة، لا يمكن تجاهلها، المواطنون غائبون عن إدارات الائتمان والمخاطر، وبعض المصارف تحولت، للأسف، إلى شركات شبه عائلية، من خلال توظيف الأقارب في المناصب القيادية، واستبعاد أصحاب الخبرات، إضافة إلى غلبة العناصر من تلك الجنسيات المعروفة، واستئثارهم بمعظم وظائف ومناصب إدارات الائتمان والمخاطر والرقابة الداخلية، كما أن عدد اجتماعات اللجان الرئيسة، تلك المنبثقة عن مجالس الإدارات في تلك الإدارات الحساسة، لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، وكل اجتماع لا يتجاوز الساعة الواحدة، إضافة إلى عدم التفرغ، والجمع بين مناصب عدة، فرغم أن هذه المؤسسات المالية ضخمة، ونشاطاتها متعددة، فإن معظم الأعضاء لديهم أكثر من عضوية مجلس وشركة وهيئة، وغيرها العديد، فمتى يجدون الوقت الكافي للتدقيق والرقابة والتحليل؟!

هذا ما يحدث، وأشياء أخرى كثيرة، وحتى نعالج الأخطاء لابد من الاعتراف بها أولاً، والأخطاء في هذا القطاع زادت على الحد، وبشكل لم يعد بالإمكان احتمالها، إنها أموال عامة، ولابد من إعادة هيكلة هذا القطاع لوقف الاعتداءات عليها.. عاجلاً وليس آجلاً!!