لعل الإنجاز الأبرز لسلطنة عُمان في تاريخها المعاصر هو تعزيز بل ترسيخ الوحدة الوطنية بين أطياف شعبها، بعد الحروب الأهلية الطاحنة التي عانت منها السلطنة لعقود من الزمن.
هذه الطفرة المجتمعية الجبّارة ما كانت لتتحقق لولا متانة أسس مشروعها الوحدوي وصلابة دعائمه، وما كانت لتستحكم لولا استدامة التزام السلطنة بقيم العدالة والمساواة، على المستويين الثقافي والتطبيقي، في جميع الحقوق والواجبات من دون تمييز فئوي، وإصرارها على إنفاذ القانون في القضايا المتعلّقة بصون وحماية الوحدة الوطنية.
نحن الكويتيين نغبط العمانيين على متانة وحدتهم الوطنية وصمودها أمام الأعاصير الطائفية والعنصرية التي اجتاحت المنطقة. تلك الأعاصير التي أثيرت على مدى عقود من الزمن وما زالت تثار، لتغطي سماء المنطقة بالغبار الطائفي والعنصري، إلا أنها تهدأ وتخمد عند اقترابها من سماء السلطنة التي بقيت صافية. ولذلك نستذكر صفاء سمائها كلما اسودت سماؤنا بالفتن، ونجدّد أمنيتنا بأن تكون وحدتنا الوطنية مثل وحدتهم، ولكننا في ذات الوقت نمتنع ونرفض الاقتداء بهم وتبني منهجيتهم في التصدّي لتلك الأعاصير الخبيثة الإقليمية، والزوابع الطائفية والعنصرية المحلّية، حتى أصبحت تلك الأعاصير والزوابع من السمات البارزة بل من الأمراض المزمنة التي يعاني منها مجتمعنا.
المجتمع الذي يتعاطى الأناشيد الوطنية ليتناسى مرضه الخطير ويتناول المسكنات لتعينه على تحمل آلامه، عوضاً عن الاستعانة بالوصفة والدواء الذي كان سبباً في شفاء ومعافاة مجتمعات مناظرة عانت من الداء نفسه.
العمانيون نجحوا في معالجة وتحصين نسيجهم المجتمعي من آفة الفتن الطائفية والعنصرية من خلال مشروع متكامل شمل جميع الأصعدة والمستويات المتعلقة بالوحدة الوطنية، شاملاً الجانبين التوعوي والقانوني. أما نحن في الكويت، فعلى الجانب التوعوي، عجز أو تقاعس نوابنا «غير الطائفيين» عن التصدي لتوغل أفكار متطرفة إلى مناهجنا التربوية على مدى عشرات السنين، إلى أن قررت الحكومة اجتثاثها. وتبنوا أو باركوا تعيينات باراشوتية من غير أهل الاختصاص في مواقع قيادية بجهات معنية بثقافة ووعي المجتمع (من بينها مكتب الإنماء الاجتماعي).
وأما على الجانب القانوني، فقد تهرب معظم النوّاب «غير الطائفيين» عن مراقبة كفاءة المنظومة القانونية، في التصدّي للطائفيين والعنصريين، بحجج متنوعة ظاهرها الرقي الأخلاقي وباطنها الوهن السياسي. وعجزوا عن كشف وسد الفراغ التشريعي في ذات الشأن، إلى أن صدر قانون حماية الوحدة الوطنية بمرسوم ضرورة في عام 2012 في فترة غياب البرلمان. وحتى بعد إقرار القانون، استمر تهرّب معظمهم عن مراقبة كفاءة المنظومة القانونية في التصدّي لمثيري الفتن.
المراد أن معظم الشخصيات البارزة في المشهد الانتخابي والبرلماني (السابقين والحاليين، الطائفيين وغير الطائفيين) استثمروا وما زالوا يستثمرون في الأزمات الطائفية والعنصرية، إما بتبني موقف منحاز لأحد الطرفين في المواجهة ليكسب دعمهم وأصواتهم الانتخابية، أو بتبني سياسة منتصف العصا المتضمنة تفادي مواجهة ومحاسبة البادئ والمخطئ، ليكسب أصوات المستائين من تكرار الفتن.
في مقابل هذا الواقع السوداوي، سعدت بتحركات أحد النوّاب الحاليين وأحد النوّاب السابقين في تصديّهما لأحد نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي الذي ظهر في مقطع فيديو وهو يترحّم على السفّاح صدّام حسين في بداية المقطع، وفي نهايته يتطاول على زعيم الحوزة العلمية في النجف الأشرف السيد علي السيستاني. حيث كانت تحركاتهما مباشرة تجاه وزير الداخلية لمتابعة اتخاذ الإجراءات القانونية تجاه المتحدّث في المقطع، وبالفعل تم استدعاؤه وجارٍ اتخاذ الإجراءات القانونية ضدّه. وسعدت أيضاً بتجاهل الشارع مضامين مقاطع الفيديو اللاحقة التي نشرها الناشط نفسه. لذلك أقول إننا وصلنا إلى وصفة قريبة من الوصفة العمانية، التي ينبغي أن تعمم للفتن اللاحقة... «اللهم أرنا الحقّ حقاً وارزقنا اتباعه».