قبل أن ننتقل للحديث عن الحالة فى مصر، وكيف يمكن أن نتعامل مع واقعنا، وكيف نضع تصورات للاستمرار فى الحياة دون هلع ورعب، ودون تهوين أيضاً، فإنه قد يكون من المناسب أن نحلل بعض الأرقام المتاحة والتى من الممكن أن تساعدنا فى إعادة النظر فى حدود الخطر الذى يواجهنا، وفى وضع السبل المتوافقة مع الواقع، ومع أهدافنا.

بالنظر إلى نماذج بعض الدول التى واجهت هجمة قوية، ودفعت ثمناً كبيراً حتى الآن، وتحليل الوضع الخاص بها، فإننا سنلاحظ أن العوامل «الديموغرافية» تقدم تفسيراً واضحاً لتزايد أعداد الوفيات فيها.

السمة الرئيسية التى تتميز بها هذه الدول هى ذلك الاختلال الواضح فى الهرم السكانى وانتشار الشيخوخة فيها. فإيطاليا مثلاً بها 18 مليون شخص تجاوزوا الـ60 عاماً، أى حوالى 30% من إجمالى السكان، أما ألمانيا فيوجد بها 24 مليونا فى نفس المرحلة العمرية، وهى نسبة تقترب كثيراً من نظيرتها فى إيطاليا.

كذلك بقية الدول الأوروبية، حيث إن متوسط نسبة من تجاوزوا الـ60 فيها يصل إلى أكثر من ربع عدد السكان بقليل. فى المقابل، فإنه يُلاحظ انخفاض واضح فى نسبة الأطفال والشباب فى الغرب، وهذا ما يؤكده مؤشر «وسيط العمر»، الذى يقسم السكان إلى نصفين متساويين، نصف أعلى ونصف أقل، فمتوسطه فى أوروبا كلها يصل إلى 40 سنة، بينما فى إيطاليا يصل إلى 47 عاماً.

هذا إن دل فإنما يدل على أن المجتمع الأوروبى مجتمع يعانى من شيخوخة، وهذا بالمقارنة مع أرقام دولة مثل مصر، فنسبة السكان الذين تعدوا الـ60 عاماً تصل إلى 8%، فى حين تتراوح بين 5% و10% فى الدول الإفريقية وجنوب آسيا.

أما مؤشر «وسيط العمر» فى مصر فهو 25 سنة، وهذا يعنى ببساطة أن الحالة الديموغرافية لمصر أكثر صحة من مثيلتها فى أوروبا، بغض النظر عن أسباب هذا الأمر، وهذا أيضا يفسر جزئياً ما مرت به هذه الدول، ومازالت، فى معاناتها مع «كورونا».

كل المؤشرات المتوفرة حتى الآن تشير إلى أن احتمالات الوفاة بسبب فيروس «كورونا» ترتفع بشدة بين كبار السن، ففى الحالة الإيطالية، وفقا للدراسة التى أجراها مركز المستقبل للدراسات حول تأثر القارة الأوروبية بالفيروس، فإن احتمالات الوفاة تصل إلى 19.7% بين الأفراد فى الفئة العمرية 80- 89 سنة، وتصل إلى أقصاها فى الفئة العمرية 90 سنة فأكثر، حيث تبلغ احتمالات الوفاة 22.7%.

وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 96.5% من الوفيات التى حدثت فى إيطاليا بسبب فيروس كورونا كانت لأشخاص أكثر من 60 عاماً، موزعة كالتالى: (44.1% من الوفيات كانت لأشخاص فى الفئة العمرية 79- 60 سنة، و52.3% من الوفيات كانت لأشخاص فى عمر 80 سنة فأكثر)، بينما تتضاءل احتمالات الوفاة بين فئات العمر الصغيرة، ولا تتجاوز 0.3% بين الأفراد فى الفئة العمرية 30- 39 سنة.

الملاحظة الأخرى هى تصاعد مخاطر الوفاة لذوى الأمراض المزمنة، حيث تشير التقديرات الإحصائية إلى أن الأشخاص الذين يعانون من الأمراض المزمنة هم الأكثر عرضة للوفاة بسبب فيروس كورونا. وهذا البعد يجب أن يكون حاضراً أثناء تحليل الوضع العام للأزمة، قبل أن نناقش الحالة المصرية.