على الرغم من ارتفاع أعداد المصابين بفيروس "كوفيد - 19"، يحاول عديد من دول حول العالم إيجاد استراتيجيات خروج من ظروف الإغلاق، وذلك بسبب وصول النشاط التجاري والحياة الاجتماعية إلى حالة من الجمود. أدى ذلك إلى قيام صندوق النقد الدولي بإصدار بيان حذر فيه من حصول ركود الاقتصادي لا مثيل له. ففي توقعاته نصف السنوية، بين تقرير صندوق النقد الدولي أن "العزل الكبير The Big Lockdown" يمكن أن يتسبب في انكماش الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنحو 3 في المائة هذا العام. وهو مخالف لما كان يتوقعه الصندوق سابقا من نمو إيجابي 3.3 في المائة هذا العام، وتحديدا قبل ثلاثة أشهر. وهذا يشير إلى أي مدى صدمة تأثير أزمة "كوفيد - 19" في الاقتصاد العالمي.

تسببت تلك الجائحة في الهبوط في أسعار النفط وفي حدوث اضطراب اقتصادي كبير من خلال صدمات العرض والطلب المتزامنة. وفي محاولة احتواء الفيروس، أدت الإجراءات إلى تباطؤ النشاط الاقتصادي العالمي على سلاسل الإمداد العالمية، وعلى قطاعات التجزئة، فضلا عن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. وفي الوقت ذاته، فإن الإجراءات الاحتوائية التقييدية تضعف طلب المستهلكين، ولا سيما في قطاعات السياحة والضيافة، ما زاد من التحديات.

وتأكيدا للخيارات الصعبة التي تواجه الحكومات بشأن أفضل السبل لإنهاء خطوات تقييد النشاط الاجتماعي والتجاري مع الحفاظ على خفض انتشار حالات الفيروس التاجي، فإنه من الصعب المبالغة في تبسيط الجدل بين موازنة الازدهار الاقتصادي مع صحة الإنسان. الخوف من إنهاء الإغلاق الآن يمكن أن يؤدي إلى مزيد من الوفيات بسبب هذا الفيروس، ما قد يؤدي إلى انهيار المنظومة الصحية، ومن ثم الحاجة إلى إعادة فرض إجراءات تأمين أكثر صرامة يمكن أن تسبب أضرارا اقتصادية أكبر. مضافا إلى ذلك حالة عدم اليقين بشأن المدة التي ستستمر فيها الصدمة، ومتى يتم اكتشاف عقار أو لقاح، والوقت اللازم لتصنيع وتوزيع ذلك اللقاح، ما يزيد من مخاوف الاضطراب الاقتصادي وزيادة احتمالية انخفاض الناتج المحلي المستقبلي.

من الناحية الاقتصادية، تعد الأوبئة بشكل عام أحداثا مؤقتة بطبيعتها لا تحتاج إلى إحداث ضرر هيكلي طويل الأمد للقدرة الإنتاجية، بشرط عدم فشل قطاع الأعمال على نطاق واسع والحفاظ على الوظائف. هذا هو الأساس لإجماع التوقعات اليوم على انتعاش اقتصادي نحو نهاية هذا العام. ومع ذلك، من الواضح أن الفيروس التاجي له تأثير في النشاط الاقتصادي في جميع أنحاء العالم أكثر من الأوبئة الأخرى، فقد يكون هناك مسار يستمر لمدة أطول. يعتقد أنه سيتم الحفاظ على ضوابط مشددة لمدة ثلاثة أشهر، تليها ثلاثة أشهر أخرى عندما يتم رفعها جزئيا فقط. هذه التوقعات تمثل سيناريو واحدا فقط. ولقد وضحت الأوبئة السابقة أن إجراءات السيطرة يمكن أن تستمر لفترة أطول من ذلك.

ولحسن الحظ، فإن الاستجابة المنظمة للفيروس في المملكة تقدم كثيرا من الثقة بشأن السرعة المحتملة للتعافي الاقتصادي. حيث أظهر تقرير جامعة أكسفورد الذي قدمته الجامعة لتتبع إجراءات الدول تجاه جائحة كورونا. وكانت السعودية من أفضل الدول وتميزت باستجابات قوية ومدروسة. فقد رتبت السعودية أولوياتها مبتدئة بحماية الإنسان أولا، وحماية الأمن الغذائي والدواء، والرعاية الصحية للجميع من مواطن ومقيم، وتتبعت حال المحتاجين بشكل كبير وقدمت المساعدات للأفراد كالعمالة الوافدة محليا وإلى الدول المحتاجة، والمنظمات الدولية.
قامت السعودية كرئيسة لمجموعة العشرين بالتنسيق مع دول المجموعة لتوحيد الجهود العالمية لمواجهة هذه الجائحة والحد من الآثار الاقتصادية المترتبة عليها، بضرورة إعادة الثقة إلى الاقتصاد العالمي وترحيب المملكة بالسياسات والتدابير المتخذة من الدول لإنعاش اقتصادها، وتأكيد الدعم الكامل لمنظمة الصحة العالمية وجهودها الرامية إلى مكافحة هذا المرض، ومد يد العون للدول النامية والأقل نموا لبناء قدراتها وتحسين جاهزية البنية التحتية لديها لتجاوز هذه الأزمة وتبعاتها.
واتخذت المملكة عديدا من القرارات خلال آذار (مارس) لمواجهة الآثار الناجمة عن استمرار تفشي فيروس كورونا، بتفعيل إجراءات العمل عن بعد واتخاذ سياسات مالية ونقدية، فقامت بتخفيض معدلات "الريبو العكسي" إلى 50 نقطة أساس و"الريبو" إلى 100 نقطة أساس للحفاظ على الاستقرار النقدي، حيث أقرت حكومة المملكة تدابير مالية تحوطية بقيمة 120 مليار ريال لدعم وتخفيف الأثر على القطاع الخاص التي بدورها حفزت أداء القطاع المالي والشركات المتوسطة والصغيرة. وكذلك تغيير شروط الائتمان وتوفير السيولة، وأوجد خادم الحرمين الشريفين حزمة مبادرات جديدة في 15 نيسان (أبريل) تهدف إلى توفير سيولة نقدية بقيمة 50 مليار ريال للقطاع الخاص ليتمكن من استخدامها في إدارة الأنشطة الاقتصادية، وتم تخصيص مبالغ إضافية لقطاع الصحة حيث وصل الدعم للقطاع الصحي إلى 47 مليار ريال لرفع الجاهزية وتأمين الأدوية وتشغيل الأسرة الإضافية وتوفير المستلزمات الطبية اللازمة. وللحفاظ على الوظائف بأمر الملك، الدولة تتحمل 60 في المائة من رواتب السعوديين في «القطاع الخاص» بمبلغ تسعة مليارات ريال تعويضا لـ1.2 مليون مواطن. وبذلك حافظت على مستوى منخفض من الإصابات، وأعدت الاقتصاد للعودة إلى مسار الانتعاش. هذه الإجراءات ستسمح بارتداد تصاعدي قوي للسوق عندما يأتي الوقت للخروج من الأزمة، والعودة إلى الوضع الطبيعي في زمن قياسي.