ستبقى حكومة حسان دياب تتخبط في خطتها الانقاذية الى ان يقضي الله أمراً كان مفعولاً. فلا الخطة تملك التصوّر ووضوح الأدوات، ولا هي مرتبطة بجدولٍ تنفيذي زمني. هي عصارة اجتهادات شركات ومستشارين مقرونة بحسابات سياسية تعطي الكيدية حصة الأسد في محاسبة الفاسدين.

في تجارب الدول التي مرّت بإفلاساتٍ واختناقاتٍ اقتصادية ما يجعلنا نستشعر بأنّ الخطة هي بداية المخاض لا خاتمته. فليست أموال صندوق النقد أو "سيدر" جاهزة لتمويل التباسات واحتيالات على الاصلاح، ولا المجتمع الدولي جمعية خيرية ليسهل أمور حكومة محكومة من "حزب الله". أما اللبنانيون فيرفضون التضحية بودائعهم ومستوى عيشهم فداء للمنظومة السياسية والمصرفية الفاسدة التي تحكمت برقابهم منذ مطلع التسعينات.

منظومة الفساد نفسها التي أنجبت وزارة حسّان دياب غير متوافقة على الخطة. فها هي أطراف الحكومة تُشنِّع بها في مجلس النواب. هذا يتحجج بوجوب تحصينها بالقوانين، وذاك يغسل يديه من دم الصِّدِّيق. أما الشارع الذي انتج ثورة 17 تشرين فكامنٌ وعاجزٌ عن إحداث تغيير حقيقي.

حكومة حسان دياب قدَرُنا حتى إشعارٍ آخر لأنّ أدوات الدفاع عنها الشرعية والميليشيوية أقوى من قدرة المنتفضين على قلب المعادلة لمصلحة كل الشعب اللبناني. صحيح أنّ التلويح بثورة الجوع التي تحرق الأخضر واليابس منطقي، لكنه نظري. فتلك الثورة بعيدة المنال في لبنان، لضعفها البنيوي والتنظيمي ولقدرة خصومها على جلخ سكين الطائفية والمذهبية والعنف المضاد. أما شعار "الجيش والشعب يد واحدة" و"اعرف عدوك... الفاسد عدوك" فحبذا لو يتحقق على النمط السوداني، لكنّ مؤشراته مخيبة رغم أن العسكر مواطنون متضررون مثل الآخرين. ثم، لمزيد من الواقعية ولندرك صعوبة هكذا تغيير، يكفي ان نشاهد جندياً فنزويلياً يقمع متظاهرين فيما راتبه لا يتجاوز سد رمقه.

انطلاقاً من ذلك يبدو الجميع، "منظومة" (سلطة ومعارضة)، وانتفاضة شعبية، في مأزق سياسي شديد. فأي خطة نهائية، مهما خلُصت في صوغها النيات، ستخسِّر اللبنانيين جهد العمر أو سنوات، وستتمّ على وقع فقر وصل إليه نحو 60 في المئة منهم، وبطالة معظم اليد العاملة، ناهيك عن وحش سعر الصرف والغلاء. فمَن سيتحمل مسؤولية الاضطراب الاجتماعي المتوقع؟ ومن سيتمكن من اقناع الناس بأن المتمسكين بالسلطة والقرار يفعلون الصواب، فيما الفاسدون والمفسدون أخذوا على عاتقهم مهمة انقاذ البلاد ولم يقفلوا معبراً واحداً غير شرعي حتى الآن؟

هو حلمٌ ان نفاجأ برؤوس السلطة كلّها تتنحى لتفسح في المجال لأهل النزاهة والاختصاص. ولأننا نعيش في عالم الواقع، ليس هناك بديل في المدى المنظور إلا الانتخابات النيابية المبكرة، وهي مصلحة للمطالبين بالتغيير وللسلطة نفسها لو فكرت قليلاً في عواقب مرحلة عاصفة من تاريخ لبنان. فالانتخابات يمكنها تأمين استقرار يواكب أي خطة اصلاح، وهي بلا شك ضمان للسلم الأهلي وللنظام الديموقراطي.

الدعوة الى الانتخابات - من غير الدخول في جدل عقيم حول قانون انتخابات جديد - من شأنها تنظيم التوترات، واعادة انتاج برلمان لا بدَّ ان يكون فيه انعكاس لانتفاضة الشعب في 17 تشرين. والعملية بحد ذاتها ستشكل اختباراً لحجم الذين رفعوا صوت الاعتراض وقدرتهم على ترجمته في صناديق الاقتراع.

انتخابات مبكرة هي البديل عن التصارع داخل المنظومة على الخطة وعلى استعادة المواقع وعلى حسابات انتخابات الرئاسة والتوريث. لحسَّان دياب مصلحة في تلك الانتخابات لأنه يكسب وقتاً لتحقيق خطته إذا كان جدياً في اجراء اصلاحات. وللثورة مصلحة لأنها فرصة لتحقيق مزيد من الاصلاح في التمثيل بعيداً عن الأوهام والمزايدات. وللجيش مصلحة ليبقى حامياً للنظام الديموقراطي وليس أداة قمع تكرر ارتكابات زمن الوصاية والاحتلال.

وحدها منظومة الفساد العميقة تخاف من الانتخابات، وتفضل المأزق والنفق المظلم على الأمل وبشائر الخلاص.