لعلها مفارقة واضحة تراجع معدلات العمليات الإرهابية نسبيا في مختلف بقاع العالم، وربما كان ذلك من قبيل انشغال الإرهابيين والمتطرفين بالهرب من هذه الجائحة على نحو ما يقال «اللهم أشغلهم بأنفسهم»، فالبشر في كل مكان في هذا العالم الواسع مركز مع الوقاية والتباعد الجسدي والتطهير والتعقيم، وكثير من الأنشطة تراجعت بما فيها عمليات الإرهاب.

بالطبع ليس بالضرورة أن نربط علميا وبحثيا بين سيكولوجية الإرهاب والأبعاد العقدية في ممارسة القتل من جهة، وتراجع أعمال القتل واستهداف الناس والدول لإثبات وجهات نظر دينية وسياسية وعسكرية، فما يقوم به كورونا أكثر ضررا على الجميع بمن فيهم الإرهابيون الذين قد يتعرضون لضغط أكبر في ظل عدم توفر وسائل الرعاية الطبية وأدوات النظافة والتعقيم في مواقع تواجدهم باستثناء الخلايا النائمة.

والآن وبما أن جميع البشر تحت ضغط هذا الفيروس القاتل الذي لا يزال بلا علاج أو لقاح، والناس تتواجد في بيوتها ومتباعدة عن بعضها فذلك ولا شك أدعى للتأمل وإعادة النظر في كثير من شؤوننا وتفاصيلنا، وتمييز صوابنا من خطئنا، خاصة في فترة روحية مثل شهر رمضان المبارك الذي تصفو فيه النفوس والعقول وتتقرب أكثر إلى الله الذي خلق الإنسان والفيروس.

فكرة التأمل بالذات يحتاجها كل متطرف لا يزال يجد مساحة دموية في فكره لقتل الأبرياء وإرسالهم إلى الجحيم المتوهم، فيما هو ينظر بكل وضوح إلى ما يتسبب فيه فيروس صغير لا تراه العين المجردة وهو من جنود الله في العالم أجمع، ما يعني أن الله ليس بحاجة لسلوك هؤلاء المتطرفين ويمكنه أن يجعل العقول تتدبر من عظيم صنعه، وأن تتوقف فيما يمكن أن يفعله غضب الله وابتلاءاته للجميع، مسلمين، أو مسيحيين، أو غيرهم ممن يدينون بديانات أخرى تمارس الفكر والتأمل والتدبر وترى أن الله قادر على إرسال رسائل ينبغي أن نعي محتواها.

الآن الأمر المؤكد من خلال هذه الجائحة وربطها بالممارسات الإرهابية أن الله بغنى تام عن قتل الأنفس البريئة وتدمير حياة الناس وإرعابهم وإخافتهم، لأن الله لا يحتاج لهؤلاء الذين ينفذون أعمال القتل كما في الهجوم الإرهابي الأخير على مستشفى الأطفال في كابول، وغيرها من الهجمات الإرهابية الأخرى التي وقعت في أنحاء متفرقة من أفغانستان، وليس بحاجة لمخططات ذلك الإرهابي الذي اعتقلته الشرطة الإسبانية، لتنفيذ هجمات في برشلونة.

المساحة الإنسانية التي تتوافر فيها كثير من الرحمة والتراحم جعلت الكنائس الغربية تفتح أبوابها للمسلمين لأداء الصلوات فيها، واشترك كل من يعبد الله في الدعاء من أجل أرواح الضحايا والتقرب إلى الله لرفع الوباء الذي سجل حتى الآن أكثر من ثلاثمائة ألف وفاة وأكثر من أربعة ملايين إصابة، فهل بعد هذا يحتاج دين لأن يكون قويا بممارسات إرهابية تقتل أبرياء لا ذنب لهم فيما يفكر فيه الإرهابيون.

حين نجد المئات يميلون إلى دين الإسلام في المجتمعات الغربية، ويسمح للمساجد والجوامع بأن تنادي إلى الصلاة في برلين وكوبنهاجن وروما وغيرها، فذلك نجح في كسر تابو وحواجز قوية ظلت عصية لعقود طويلة، فيما لم يفعل هؤلاء الإرهابيون أكثر من تشكيل صورة نمطية سلبية عن الدين الذي يدينون به، لذلك فإن كان هناك استخلاص منطقي من مفارقة الإرهاب والكورونا فهو أن الله ودينه ليسوا بحاجة مطلقا لهؤلاء المتطرفين والإرهابيين، فهذا الدين متين وشديد بأكثر مما يمكن أن يعبث به مجرمون مجردون من أبسط قواعد الإنسانية والرحمة.