دخل صديقي مع أمه إلى المستشفى. تتكئ بيدها اليمنى على عصاها وبيدها الأخرى على ذراع ابنها. تسير بخطوات بطيئة. تفوح من ثغرها دعوات لا تنقطع لابنها وأبنائها وبناتها وإخوانها. تدعو لكل البشر وتنسى نفسها.

تستريح في غرفة الانتظار في انتظار دورها لمراجعة الطبيبة التي تلتقيها لأول مرة، ولا يتوقف لسانها عن الدعوات. تتدفق من حنجرتها الآيات والابتهالات التي تصل لكل العابرين بجوار غرفة الانتظار التي تستوي على أحد مقاعدها.

عندما حان دورها استقبلتها الطبيبة بحفاوة كبيرة قائلة لها فور أن رفعت الغطاء عن وجهها، "ما شاء الله ما هذا الجمال والنور الذي يشرق من وجهك. سعيدة بك وبزيارتك لي. أدام الله حضورك البهي".

يخبرني ابنها أنه لم يشاهد أمه بهذه السعادة من قبل. سعادة تشبه تلك التي رآها تلمع في وجهها ليلة زواجه وربما أكبر.
بعد الإطراء الذي تلقته الأم الجميلة خضعت لفحص سريع، تلته أسئلة عدة من الطبيبة التي أعدت الوصفة سريعا وودعتها قائلة: "أحبك يا أمي، وأرجو أن أراك دائما بهذا التألق والبهاء".

يتذكر ابنها الموقف الذي مرت عليه أعوام كأنه قبل قليل: "خرجت أمي بصحة ومعنويات أفضل من عيادة تلك الطبيبة. حتى كادت أن ترمي عصاها من شدة الفرح".
الخلاصة يا أصدقاء، أننا كلنا بحاجة إلى إطراء وثناء.

الكلمات الجميلة كرذاذ الماء البارد في يوم حار. كظل شجرة في طريق مشمس. كمكافأة بعد تعب وإرهاق. كنوم عميق بعد يوم شاق.
لا تقتصد في إشاعة الكلمات الحلوة، فهي تذوب في أعماقنا كمكعبات السكر في كوب القهوة، تمنحه نكهة أحلى وأشهى.
الكل يحتاج إليها ويتوق إليها، كبيرا كان أو صغيرا. المهم أن تنبع من القلب لتنساب إليه.
لا شيء يضاهي قوة الكلمة وتأثيرها. فإما أن ترفعك وإما تهزمك.
عود لسانك على الإشادة. لتجيدها وتجيدك.
كلنا نحب الكلمة الطيبة فلا تقتصد في إذاعتها ونشرها.