نهاية شهر أبريل الماضي حظرت ألمانيا حزب الله اللبناني على أراضيها، وصنفته تنظيماً إرهابياً، وهو أمر غير متوقع لعدة أسباب، على رأسها أن ألمانيا كانت أكبر الداعمين للاتفاق النووي، وللبحث دائماً عن تفاهمات سياسية مع طهران لتجنيبها الوصول إلى سلاح نووي، وترويض نشاطاتها التخريبية بالسبل السياسية وتعزيز المنافع الاقتصادية المشتركة.

ألمانيا التي كانت الطرف الأكثر غضاً للطرف عن ممارسات إيران داخل أراضيها، بسبب التركة النفسية لما بعد النازية، والتي أثرت بطبيعة الحال على القوانين الألمانية التي تخص التجمعات وتشكيل التنظيمات، الأمر الذي منح حزب الله فرصة تجهيز عشرات العناصر في برلين ودورتموند ومونستر وبريمن، يعملون تحت مظلات مدارس ومساجد وجمعيات.

ويأتي تصنيف ألمانيا للحزب كثالث دولة أوروبية، بعد بريطانيا وهولندا، حيث قامت باغتيال معارضين إيرانيين في يناير 2019، مستعينين بعصابة هولندية لإخفاء دور الحزب، هذا على مستوى الذراع السياسي، أما الذراع العسكري فقد أجمع الأوروبيون على تصنيفه إرهابياً منذ عام 2013، بعد التورط في هجوم على حافلة في بلغاريا في عام 2012.

في كل هذه التحركات الأوروبية المتأخرة لتقدير خطر إرهاب حزب الله ومن خلفه لبنان، لا يظهر تأثير كبير لضغوط توجهات إدارة الرئيس ترمب، بل على العكس يبدو هذا التأخر ناتجاً بشكل كبير عن ضغوط سابقة من إدارة الرئيس أوباما، التي غضت الطرف عن كل التقارير التي حكت عن ممارسات الحزب، سواء عسكرياً في اليمن وسوريا والعراق، أو على مستوى تجارة المخدرات وغسيل الأموال، والتي كانت تتم في أمريكا الجنوبية وفي أفريقيا، ومنها إلى أمريكا وأوروبا، قبل أن تصل للمنتج النهائي الذي هو عبارة عن سلاح في يد الحزب.

المزاج العالمي يدرك أن إيران خرقت القانون الدولي وصدرت أسلحة للحوثيين، وكانت المملكة قدمت الدليل القاطع على ذلك عبر أجزاء الصواريخ التي هاجمتها من اليمن وهي إيرانية الصنع، ويدرك كذلك أن الاستقرار في سوريا التي تعتبر فوهة هجرة مرشحة دائماً للانفجار في وجه الأوروبيين لن يتم دون إخراج إيران من سوريا، ولهذا يتفق الغرب وروسيا وبشكل غير معلن على دعم القصف الإسرائيلي للحرس الثوري في سوريا.

كما يدرك العالم نتائج الاتفاق النووي، التي مثلت فرصة لالتقاط الأنفاس وليس التوقف تماماً عن تصنيع سلاح نووي، وهو الأمر الذي لم تنفك تسعى له طهران منذ عام 2002، بعد أن رأت الهجوم الأمريكي على أفغانستان، وبالتالي ترسخت فكرة أن الرادع الوحيد لواشنطن هو السلاح النووي.

كما أن الاتفاق النووي منح الكثير من الأموال لطهران وبالتالي لميليشياتها للتوسع والقتل في الدول العربية، وبالتالي تحويل المنطقة المتاخمة لأوروبا لمنطقة غير مستقرة، وبؤرة لنشوء حركات إرهابية، ولم ينعكس اقتصادياً على حياة المواطن الإيراني، والأخطر أنه منح طهران فرصة تطوير صواريخ بالستية لمدى يمثل خطراً على أوروبا.

قد يكون هذا العام فرصة أخيرة للجم سياسات إيران عبر إعادة العقوبات الأممية في أكتوبر القادم، وهو ما تسعى له أمريكا، كما أن واشنطن لديها فرصة كبيرة اليوم لدعم العراق، الذي يخرج شيعته قبل غيرهم للتصدي للنفوذ الإيراني والميليشيات الموالية لطهران، حيث تولي مصطفى الكاظمي يعتبر تغيراً إيجابياً في المشهد العراقي، وإحدى النتائج الإيجابية لتصفية قاسم سليماني، ولكن التغيير الأهم سيكون في الانتخابات البرلمانية.