هل هو عصر الرواية؟ عصر التعبيرات الشعبية الأكثر قرباً من الناس، والأكثر تعبيراً عن انشغالاتهم وهمومهم وأحلامهم، وخوفهم أيضاً من تحولات عصر شديد الارتباك والقسوة، على الرغم من أنه وفّر سعادة كبيرة للإنسان، حتى ولو كان الكثير منها افتراضياً.

إن المستفيد الأكبر في النهاية الشركات العالمية الضخمة، العابرة للقارات والأسواق العالمية، ومن هنا تحضر الأسئلة المهمة: هل الرواية ضرورة حضارية؟ وهل هي وسيط فعلي بين الشعوب لمعرفة تفاصيلها وحياتها المختلفة؟ وهل هي نافذة نطل من خلالها على مجتمعات لا نعرفها، وقد لا يتاح لنا أن نعرفها بحيويتها وأنماطها المعيشية إلا من خلال الرواية؟ وكيف يتحول النص المتنقل عبر القارات، من دون جوازات ولا جمارك أو حواجز أمنية، إلى وسيلة إنسانية عالية القيمة، وإلى جسر بين مختلف الشعوب؟ وهل للرواية قوة تعبيرية للحفاظ على جسور الحوار التي تضيق كل يوم قليلاً؟ وهل محاورة الآخر ضرورة حضارية أم أنه نوع من الغواية التي يجبرنا عليها العصر الذي نعيشه؟

أسئلة يفرضها جنس الرواية، لأنه الأكثر انتشاراً وشيوعاً، ويمكن أن ندفع بالسؤال نحو الأقصى عميقاً: هل هناك جسور تواصل بدون أن تتوفر هذه الأخيرة على مسلكين، واحد للذهاب وآخر للعودة؟ لأن الحوار من جهة واحدة يتحول إلى حوار طرشان.. فهو ليس حواراً لأنه ينبني على فكرة خطيرة جوهرها اقتصادي: الأقوى منتج والأضعف مستهلك.

تصلنا رواياتهم من كل بلدان العالم: أوروبا، آسيا، أمريكا، لكن رواياتنا، أي أسئلتنا الوجودية، لا تصلهم لأن دورة الحوار لا ترتكز على ثنائية الاعتراف المتبادل، ولكن على طرف واحد، الأقوى هو الذي يفرض رؤيته الخاصة علينا.

من المؤكد أنه يجب علينا أن نقبل بأننا الحلقة الأضعف في المحاورة، بحكم التخلف الحضاري الذي أصابنا، لكن ذلك لا يعني أننا غير قادرين على خلق التمايز في الفن.

إن التجارب البشرية تثبت عكس ذلك، فالكثير من الكتاب والفنانين والنحاتين والرسامين، اخترقوا جدار العالمية، وهم من بلدان صغيرة ومتخلفة اقتصادياً، مثال الروائي العالمي، الألباني إسماعيل كداري! إننا نحتاج إلى أن نواجه مصائرنا بقدراتنا العربية الخلاقة، وهي متوفرة وليست حكراً على قومية أو دين أو مجموعة بشرية، فمصائرنا تتعلق بإراداتنا قبل اعتراف الغير، ونحتاج فقط إلى أن نبدع ونجد القنوات الموصلة لفعلنا الثقافي.

إن أوروبا كانت تعرف صعوبة ما كانت مقدمة عليه باتحادها الاقتصادي والثقافي، لكنها كانت تعرف أيضاً أن الاتحاد ليس نزوة عاطفية، ولكنه رؤية تستبق هيمنة النموذج الأمريكي ثقافياً، الذي دخل عن طريق السينما والمسلسلات والروايات والصحف والمجلات والقنوات.

وفي ظل سوق مفتوحة لا قوة تعوض القوة الثقافية المحلية في أفقها الإنساني، لكن مشكلتنا الكبيرة هي أننا لا نفكر قبل اشتعال الحرائق، ونتحرك بعدها كرجال المطافئ، هدفنا الأسمى هو إطفاء الحريق، وننسى سؤال المنطلق: كيف نكون نحن بقوتنا الثقافية والحضارية؟