خلال العقود الثلاثة المقبلة سيواجه العالم تحدياً مهماً في مسيرة البشرية، يتمثل في زيادة التعداد السكاني للأرض، فبحلول 2050 سيزداد عدد البشر 2 مليار نسمة جديدة ليصل الإجمالي إلى 9.7 مليارات، والتي يجب أن يتم استيعابهم ضمن منظومة توافر الغذاء وضمان استدامة القطاع الزراعي، تفادياً لحدوث مزيد من الضغط على الموارد المتاحة أو ارتفاع معدلات نقص الغذاء وزيادة أعداد الجائعين عالمياً.

تتعدد حلول مواجهة هذا التحدي بين توسعة الرقعة الزراعية واعتماد نظم الزراعة الحديثة، بالإضافة إلى الاستثمار في زيادة تعداد الكائنات القادرة على تلقيح أصناف النباتات على اختلافها.

وفي اليوم العالمي للنحل، هذا الكائن الذي قال عنه العالم الشهير ألبرت اينشتاين «لو اختفى النحل بالكامل من الأرض، لن يستطيع البشر العيش لأكثر من 4 سنوات»، قد لا يدرك الكثيرون عن فائدة النحل سوى إنتاجه للعسل، في وقت يمثل هذا المخلوق الصغير أحد أهم المسؤولين على تلقيح آلاف الأشجار والأنواع النباتية على وجه الأرض، وبتقدير مبسط يعد نحل العسل مسؤول بشكل غير مباشر عن إنتاج ثلاثة أرباع المحاصيل الموجودة حول العالم.

ويقدر ثمن المحاصيل العالمية التي تعتمد بشكل مباشر على الملقحات ما بين 235 مليار دولار أمريكي و577 مليار دولار أمريكي سنوياً.

هذه الأهمية الكبرى التي يمثلها نحل العسل، أدركها مبكراً الوالد المؤسس المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وشكلت أساساً في رحلته الطويلة لتعزيز الزراعة وزيادة مساحتها وزيادة إنتاجيتها في دول عدة حول العالم عبر تقديم العديد من سبل الدعم كان نحل العسل في مقدمتها.

خلال سبعينيات القرن الماضي لعبت العاصمة أبوظبي بفضل جهود المغفور له بإذن الله، دوراً حيوياً في دعم وتعزيز الزراعة في دول عدة منها جمهورية مصر العربية، والأردن، والمغرب، وباكستان وساحل العاج، فبالإضافة للدعم المالي والفني المقدم لتطوير منظومة الزراعة واستصلاح الأراضي في هذه الدول، شكلت تجربة استيراد وتربية نحل العسل في مدينة العين واستغلاله في تلقيح الزراعة وتنميتها نموذجاً مهماً تم نقل نجاحه إلى هذه الدول والعديد غيرها.

وتحول مطار أبوظبي في 1977 إلى منصة لاستقبال ملايين النحل من المملكة المتحدة عبر اتفاق تعاون تم توقيعه، لاستيراد هذا الكم من النحل وإعادة تصديره لدعم وتعزيز مشاريع الشيخ زايد التنموية الزراعية في دول عدة حول العالم.
فمشروع استصلاح منطقة النوبارية في مصر والذي يمثل واحداً من أهم دعائم سلة الغذاء في مصر تم تعزيز قدرته الإنتاجية واستدامته عبر تخصيص مساحات واسعة لمزارع نحل العسل.

وفي ساحل العاج التي تعد المسؤولة حالياً عن ثلث الإنتاج العالمي من الكاكاو والمزود الأهم لصناعة الشوكولاتة عالمياً بفضل تبني الوالد المؤسس لمنظومة متكاملة من الدعم والرعاية لزراعة الكاكاو في هذه الدولة، تم تزويد هذه المنظومة الزراعية بالآلاف من خلايا نحل العسل لتعزز عمليات تلقيح الأشجار ورفع إنتاجيتها وجودتها.

وساهمت جهود المغفور له بإذن الله، في نقل ملايين من نحل العسل إلى باكستان وبنغلاديش، وعبر التعاون والتنسيق مع منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة «الفاو» تم تشجيع مربي النحل على تعزيز الحجم التجاري لنشاطهم عبر إنتاج كميات أكبر من العسل والشمع، كما تم تحفيز المزارعين على تبني زراعة الأنواع النباتية الجاذبة للنحل، ما خلق حركة اقتصادية كبيرة لتجارة العسل للاستهلاك المحلي والتصدير، كما استفادت منظومة الزراعة بشكل عام عبر ضمان كفاءة عمليات التلقيح.

هذه الدول وتجارب تنمية الزراعة والاهتمام بنحل العسل وتوسعة مساحة تواجده بها ليس إلا لمحات بسيطة من مسيرة طويلة لم يدخر خلالها الشيخ زايد جهداً لتطوير وتنمية القطاع الزراعي وتوظيف هذا المخلوق الصغير في رفع كفاءته وتحقيق استدامته في العديد من المجتمعات والمناطق حول العالم.

ووفقاً للمدير العام السابق لمنظمة «الفاو» جاك ضيوف، فقد أصبح يُنظر إلى نموذج أبوظبي وجهود الشيخ زايد على أنه معيار ذهبي في دعم وتعزيز القطاع الزراعي وتربية وتوظيف نحل العسل في تحقيق استدامته.

هذه المسيرة من العمل من أجل البشرية جمعاء غرس مفهومها ومبادئها الوالد المؤسس في أبناء الإمارات، فباتت نهجاً تواصله وتعززه جهود ورؤى القيادة الرشيدة للدولة، ففي مطلع 2019 وفي منطقة كورنوال الهادئة في الطرف الجنوبي الغربي للمملكة المتحدة، أعلن أحد أهم مربي نحل العسل وبالأخص النوعيات النادرة عن تحقيقه نجاحاً باهراً في زيادة أعداد النحلة طويلة القرون بشكل كبير - التي باتت نادرة الوجود مؤخراً- بفضل الدعم والرعاية اللذين قدمهما صندوق محمد بن زايد لحماية الأنواع ضمن برامجه المتعددة لحماية وتنمية وضمان استدامة الأنواع الحية المسؤولة عن نقل اللقاح.

وعلى المستوى المحلي تلقى تربية نحل العسل اهتماماً خاصاً في دولة الإمارات العربية المتحدة، فبحسب الجمعية العربية لتربية النحل يوجد ما يزيد على مليون ومئتي ألف خلية نحل في إمارات الدولة، ويتم إنتاج آلاف الأطنان من عسل النحل سنوياً للاستهلاك المحلي والتصدير، وتقام سنوياً العديد من المعارض والمهرجانات الخاصة بهذا المجال والتي تعمل على تطويره وتنميته وضمان استدامته.

وفي اليوم العالمي للنحل ولما يمثله من أهمية لاستدامة الغذاء، ندعو العالم إلى حماية هذا المخلوق الذي يخدم بقاءنا واستدامة غذائنا.