قبل سنوات عدة، شغلت المجتمع المحلي إعلانات مكثفة عن ما سُمي بـ«الشريط الذهبي»، وقد توهم كثيرون في حينه بأنه قد يكون أمراً مهماً أو ذا جلل، إلى أن اتضح بأنه مجرد شريط إعلاني آخر.

«دعم الأمن الغذائي واجب على الجميع.. ولانزال نلاحظ محدودية مشاركة القطاع المصرفي في أداء هذا الواجب».

وبالمثل فقد صدمتنا قنوات التواصل الاجتماعي والصحف بأخبار تفيد بأن سعر البصل بدأ ينافس الذهب النفيس والنفط الأحفوري في عدم الاستقرار، وقفز من 1.5 درهم للكيلوغرام الى تسعة دراهم فجأة.

وبدأ البعض يبحث ما السبب في هذه القفزة التي لو كانت في أسواق المال لتحول المليونير إلى ملياردير، وانحلت قضية شيتي وسدد المديون ديونه، لكن كان البصل الذهبي قصة أخرى.

إن وباء «كورونا» شكّل تحدياً أثر في خطوط الإمداد في كثير من الدول وعطله، ونحن في دولة الإمارات حبانا الله بقيادة حكيمة طمأنت النفوس بقولها «لا تشيلون هم»، وأقرنت هذه المقولة باستجابة فورية، ووضعت حلولاً قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى. لكن يستوجب علينا الأمر أن نسهم في بحث كيفية تفادي هذا النوع من القفزات المفاجئة والغلاء الممكن تلافيه.

إن الأمن الغذائي يتطلب حلولاً مركبة، جانب منها مالي، فالتمويل ترفض البنوك تقديمه للمزارع منذ وقف التسويق بشكله السابق، ولا تقوم المصارف بمسؤوليتها إزاء القطاع الزراعي، ولا تدرك أن تحقيق الأمن الغذائي ليس مسؤولية حكومية فحسب، أو مسؤولية برامج وطنية، وإنما مسؤولية مشتركة يجب على الجميع المشاركة فيها.

فيحق لنا أن نطمح إلى دور مصرفي حيوي أكثر تفاعلاً من هذه البنوك، فبدلاً من رعاية مباريات رياضية أو تمويل رجال أعمال بأرقام تتضمن تسعة أصفار، لو وضعت مسؤولية هدرها على من صرفها، لبقيت في خزائن البنوك ولم تتبخر، إنه وقت النظر في تطوير خيارات تمويلية موجهة لمشروعات أو صناديق دعم المشروعات الوطنية الصغيرة أو المتوسطة، أو مشروعات صناعية أو تقنية متطورة، أو صناعات ومشروعات زراعية غذائية تعزز الأمن الغذائي، بدلاً أن نقرأ بيانات لا نعلم صدقها من كذبها بأن انكشاف مصرف أو آخر لم يزد على 01% من قيمة رأسماله! فعلى الأقل سنعلم أن الغذاء والمشروعات الوطنية لن تهرب، ولن نرى مناشدات لعودة رأس المال الهارب على شكل أقساط دون أرباح ولا أعوام طوال، إن عادت أصلاً.

إن دعم الأمن الغذائي مسؤولية وطنية وواجب على الجميع.. ولانزال نلاحظ محدودية مشاركة القطاع المصرفي في أداء هذا الواجب، سواء عبر تمويل قروض زراعية ميسّرة أو شراء أرض زراعية، حيث يستحيل الاكتفاء حالياً بالنظر لرهن الأرض خياراً في كثير من البنوك، وإنما يجب أن يكون القرض شخصياً، وسقف الراتب يغطي القيمة، والسداد خلال أربع سنوات وبأرباح عالية! بينما في دول أوروبية نرى شراكة حقيقية، فالنقد في الحسابات لن يطعم الأفواه أو يؤمن الغذاء.

هذا التحدي يشكل فرصة للقيادة الجديدة للمصرف المركزي الموقر للقيام بدوره في إلزام البنوك بتقديم باقات تمويلية موجهة للقطاع الزراعي والصناعات التحويلية ذات الصلة تراعي المدد التمويلية ونسب الأرباح.

إن تكامل القطاعات الاقتصادية ليس مطلب مرحلة، وإنما التزام تفرضه الحياة، فإن أردنا للقطاعات الاقتصادية الموازية النماء، يجب أن نراقب تكامل القطاعات الأخرى لها، وأن نوثق جدية دعمها ونتائجها عبر باقات وحزم اقتصادية ونتائج تنشر وأداء يراقب.

مستشار إداري داخلي غير مقيم في مركز الإمارات للمعرفة الحكومية بكلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية