اجتاح فيروس كورونا أوروبا وانتشر بسرعة كبيرة، الأمر الذي عقَّد من ردة فعل الاتحاد الأوروبي كتكتل إقليمي، انتشار الفيروس أصبح يطرح أسئلة معقدة من قبيل انهيار الاتحاد الأوروبي وتفككه، والرجوع إلى الدولة القومية.

فيروس كورونا هدد فعلاً الكيانات الإقليمية وأدى إلى إعادة التفكير في مدى فعالية وقدرة الكيانات الإقليمية مثل الاتحاد الأوروبي على مواجهة الأزمات الطارئة وذات الانتشار الواسع والقدرة على الصمود والمواجهة.

جاء ذلك في دراسة للمركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات (ألمانيا - هولندا).

في هذا السياق، تقول الدراسة إن المتفق عليه منذ الدول الأوروبية في كيان واحد يمسى الاتحاد الأوروبي، هو التعاون المشترك والتنسيق المتبادل في مختلف القضايا والمسائل والأزمات، جائحة فيروس كورونا أظهرت أن الاتحاد الأوروبي تأخر كثيرًا في إدارة الأزمة الصحية ومرافقة الدول الأعضاء في سبيل السيطرة على الفيروس.

الاتحاد الأوروبي وجد نفسه تحت ضغوط وانتشار الفيروس بشكل متسارع، متبوع باستنزاف في قدرات القطاع الصحي للدول الأعضاء المتضررة، لتشهد أوروبا قرارات متسرعة وغير مضبوطة أحيانًا، وقرارات غير عقلانية أحيانًا أخرى، لاسيما في المراحل الأولى لبداية انتشار فيروس كورونا في أوروبا.

مع اشتداد أزمة انتشار فيروس كورونا بدا الاتحاد الأوروبي فاشلاً في سياسته الوقائية والصحية الاجتماعية، فشل كما يذكر موقع «belpress» تحدثت عنه رئيسة المفوضية الأوروبية اورسولا فون دير لاين، عندما قالت إن القادة الأوروبيين قللوا من البداية من حجم خطر الفيروس.

تداعيات الانتشار الكارثي للمرض، وردة الفعل الأوروبية تجاه الوضع الكارثي الذي وصلت إليه ايطاليا، أحد مؤسسي الاتحاد، تركت علامة استفهام كبرى حول مصير التضامن الأوروبي وصلاحية مؤسسات الاتحاد، فتعثر الاتحاد في التضامن مع روما في مواجهة تسونامي صحي قد يدق المسمار في نعش الاتحاد.

خصص الاتحاد 300 مليار يورو مساعدات للشركات لمواجهة تداعيات انتشار المرض، وأطلق مبادرة لإنشاء صندوق ضمان أوروبي لحماية الاقتصاد ومكافحة آثار الأزمة، لكن هذه القرارات جاءت متأخرة وممزوجة بمرارة التصرفات الغريبة من الاتحاد مثل قرصنة المساعدات، ودعوات الانغلاق في كيان مبني أساسًا على المشاركة، والذي أصبح أكثر هشاشة بعد خروج بريطانيا. الملامح المبكرة لانهيار الاتحاد تجسدت في كون أبرز المساعدات التي وردت لإيطاليا جاءت من الصين وروسيا وكوبا، وظهر رد الفعل جليًا عندما أنزل الايطاليون العلم الأوروبي ورفعوا بدلاً منه أعلام روسيا والصين.

الاتحاد الأوروبي، والإنفاق على التسليح باتجاه الاهتمام بشكل أكبر في الإنفاق على القطاع الصحي، لكن من غير المرجح أن يتأثر الاتحاد بهذه الأزمة سياسيًا من الداخل، نعم الايطاليون والاسبان والفرنسيون غاضبون الآن لكن المنظومة الأوروبية تحركت كمفوضية أوروبية وكان هناك قرار من المصرف المركزي بتوجيه 750 مليار يورو كبرنامج لدعم شراء القروض العامة الخاصة وستقتصر التغيرات منظومة العمل الأوروبي باتجاه اتحاد متماسك يقدم الدعم لبعضه البعض.

وبالتالي من المستبعد أن يتفكك الاتحاد رغم بعض التصدعات والأضرار السياسية، وفكرة التفكك هذه يغذيها اليمين الأوروبي لكن ومن وجهة نظر بعض المحللين السياسيين من غير المرجح أن تنزل إلى أرض الواقع خاصة بعد أن شهد اليمين تراجعًا عندما تقدم في أوروبا وواجه الهزائم عندما وضع على المحك.

في خطوة تنبئ بتحولات جيواستراتيجية في عالم ما بعد كورونا.

التساؤلات حول مصير الاتحاد أصبحت مطروحة على صفحات التواصل الاجتماعي وفي مقالات الرأي الأوروبية فهل مرورها إلى دوائر صنع القرار أصبح مسألة وقت.

ثمة من يقول إن الحديث عن انهيار الاتحاد الأوروبي مازال مبكرًا لأن هناك الكثير من المعطيات ربما تؤدي إلى أزمة طويلة الأمد على الصعيدين السياسي والاجتماعي، في حين إن مسألة الانهيار بحاجة إلى وقت لأن الاتحاد كتلة متكاملة من الناحية الايديولوجية من الصعب أن ينهار سريعًا.

بالمقابل، هناك من يعتقد أن أوروبا ستشهد تحولات كبيرة في الداخل سواء من حيث تعاون الدول فيما بينها، ومن حيث نظم الدعم في الازمات حيث لم يكن الدعم الذي تلتقه ايطاليا خلال هذه الأزمة بالشكل المأمول، وستشهد الفترة المقبلة تحولات كبيرة في استراتيجيات هناك من يجزم بأن الاتحاد الأوروبي أبعد من التفكك نظرًا للتعاون الوظيفي بين دول الاتحاد بمعنى إن كل دولة بحاجة في المستقبل للتعاون المتبادل، فحتى الدول الأكثر نفوذًا وقوة لا تستطيع أن تعمل بعد انتهاء الأزمة بمفردها. هذا ما تراه الباحثة الجيوبولتك «رانيا حتّى»، أي قد يتطلب الأمر تعاونًا كبيرًا مجددًا بين أعضاء دول الاتحاد لمواجهة التحديات الاقتصادية المستقبلية التي فرضها وباء كورونا العالمي.

والأمر الآخر الذي يدحض إشكالية تفككك الاتحاد الأوروبي تصريح الوزير الايطالي للشؤون الأوروبية في أوج الأزمة بأنه «لا يوجد سيناريو لخروج ايطاليا من الاتحاد الأوروبي وسيكون من الجنون لمصالحنا الوطنية أن نفعل ذلك»، فكيف عندما تتراجع الأزمة وتهدأ الأجواء أكثر، حينها من المؤكد أن تُعيد دول الاتحاد النظر في الآليات المعتمدة لتفادي نقاط الضعف في المستقبل.

هناك قواسم مشتركة بين دول الاتحاد الأوروبي تعيق تفككه، ومن هذه القواسم مثلاً: تشارك المسؤولية في المجال الرئيسي في قطاع الزراعة الذي يعمل فيه حوالي 22 مليون مزارع وعامل من مختلف الدول الأوروبية ويوفر قرابة 44 مليون وظيفة في القطاعات المرتبطة وفق إحصائيات الاتحاد الأوروبي نفسه.