مع تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، سارعت العديد من الدول إلى اتخاذ إجراءات فردية حاسمة لحماية شعوبها، وفشل آخرون في ذلك، ما أحدث مراجعات عدة عن كيفية وجود نظام عالمي واحد قادر على التضامن، ومدى جدوى العولمة في التصدي لما يفتك بالعالم من أزمات؟

فمنذ أن أعلنت منظمة الصحة العالمية عن تصنيف فيروس «كوفيد 19» كجائحة عالمية في 11 مارس 2020، بدأنا نشهد الدول تغلق حدودها، وتقوم شركات الطيران برحلاتها الأخيرة وآلاف الطلبة من جميع أنحاء العالم يعودون إلى أوطانهم. وللمرة الأولى منذ 100 عام، بدأت الدول في انتهاج استراتيجية الانغلاق لاحتواء الوباء من الانتشار.

ومن هنا بدأت التكهنات بين المحللين الاقتصاديين في جميع أنحاء العالم، هل تعتبر هذه هي نهاية العولمة؟

البروفيسور إيان غولدين، أستاذ في جامعة أكسفورد، تطرق في كتابه «The Butterfly Defect» عن ظاهرة العولمة والدور الرئيسي الذي تلعبه في حياتنا، وذلك من خلال ربط الاقتصادات ببعضها البعض ومجتمعاتنا اليومية بشكل وطيد ومتناغم. وأشار إلى أن فشل الإدارة السليمة للعولمة سيؤدي حتماً إلى شل منظومة صناعة القرار؛ وذلك بسبب نظامها المتشابك والمعقد.

ومن العواقب الوخيمة لنظام العولمة نراه اليوم في الأحداث الأخيرة التي طرأت من خلال فيروس «كوفيد 19» الذي ولد في مقاطعة ووهان في الصين، وانتشر على نطاق منقطع النظير إلى 196 دولة نتج عنه 5,336,352 مصاباً، و 340,613 حالة وفاة خلال الأشهر الخمسة الماضية فقط.

لقد أجبر الوباء البلدان على اعتماد استراتيجية الإغلاق والذي سيجعل الاقتصادات حول العالم والنظام الجيوسياسي أكثر عرضة للمخاطر وتمر في مرحلة عدم استقرار. ووفقاً لمجلة الإيكونوميست، انخفض تعداد المسافرين في مطار هيثرو بنسبة 97 %، وتم إلغاء 21 % من الشحنات عبر المحيط بحلول مايو 2020.

وبالرغم من أن أهم مميزات العولمة تتمحور حول مفهوم «الميزة النسبية» Comparative Advantage، والذي يعتمد على إنشاء نظام إمداد عالمي قوي، حيث تقوم كل دولة بإنتاج قطع معينة ويتم إمدادها وتركيبها في مصانع دول أخرى حول العالم. ولكن الذي نراه اليوم بأن أدى هذا الوباء إلى شل سلسلة التوريد العالمية، فأدى إلى انخفاض بنسبة 50 % في الإنتاج العالمي لأجهزة الكمبيوتر منذ فبراير 2020.

وما نشهده اليوم قيام مجموعة من قادة الدول العظمى بالاتجاه إلى بناء «الاقتصاد المحلي»، من خلال فتح المصانع المحلية وإرجاع عجلة التوظيف، وذلك للوقوف على قدميها مرة أخرى. ونرى بأن مؤسسات كبيرة مثل الاتحاد الأوروبي والمعروفة بسوقها الموحد ونظام التجارة الحرة بين أعضائها.

ولكن منذ بدء آثار الوباء في الانتشار، توقفت بعض الدول الأوروبية على سبيل المثال «ألمانيا» عن تصدير الأقنعة الطبية وأجهزة التنفس للدول الأوروبية المجاورة، وذلك لتلبية احتياجاتها الداخلية.

ومع ذلك، وخاصة في أوقات الأزمات العالمية، لا يمكننا أن نغض البصر عن «التضامن العالمي» والذي تشتد إليه الحاجة لإعادة بناء الاقتصاد والتغلب على آثار الوباء الوخيمة، حيث تكمن قوة الدول في مشاركة الموارد وتبادلها مع بعضها البعض، سيساهم هذا التعاون الإنساني في عودة الدول والمجتمعات للوقوف على قدميها مرة أخرى.

ويشهد المجتمع العالمي بالوقفات الإنسانية التي أظهرتها دولة الإمارات العربية المتحدة من خلال توفير دعم هائل تجاه الدول المتضررة بشكل كبير من فيروس «كوفيد 19»، حيث تم شحن مئات الأطنان من المساعدات الطبية ومعدات الحماية الشخصية وتم إرسالها إلى أكثر من خمسين دولة حول العالم. وتُعرف دولة الإمارات العربية المتحدة بمركزها العالمي للتجارة والسياحة.

ولكنها أثبتت أيضاً خلال هذه الجائحة بجاهزيتها للتحول كمركز عالمي للتضامن الإنساني والعالمي، حيث قام مركز منظمة الصحة العالمية في مدينة دبي الإنسانية بإرسال أكثر من 132 شحنة مساعدات لمختلف مناطق العالم، واستخدمت دولة الإمارات كنقطة التوزيع الرئيسية لمعدات الحماية الشخصية للمنظمة الدولية، إلى جميع أرجاء العالم.

عبر التاريخ تجاوزت البشرية حربين عالميتين، وحرب باردة واحدة، ومؤخراً حرب عالمية على الإرهاب، وقد نجت من الأوبئة مثل الإنفلونزا الإسبانية في عام 1918، والسارس في عام 2003، و H1N1 في 2010، وآخرها فيروس إيبولا. وفي النهاية لا يسعنا سوى التساؤل هل ستتمكن العولمة من النجاة من هذه الأزمة أيضاً بالرغم من ضعف إدارتها ونقاط ضعفها؟