عاش المسلمون في موسم عيد الفطر المبارك تجربة جديدة، قوامها ما يمكنني تسميته "تبسيط" الحياة الاجتماعية، وتفكيك كثير من تعقيداتها إلى الحدود الأساسية من احتياجاتهم العاطفية وتلك "الشكلية"، التي عادة ما تصاحب العيد.
ورغم "آلام" الفراق والابتعاد عن تجمعات الأسر الكبيرة، أعاد بعضهم اكتشاف عاداته وتقاليده، وصنع مزيجا من "بساطة" الوحدة النووية للمجتمع، أي الأسرة الصغيرة، ومن تعقيدات "التقنية" التي أوضحت بجلاء علاقة كثيرين بالحداثة وما بعدها، إذا عددنا ثورة الاتصالات ومجانية تطبيقات اللقاء بالصوت والصورة جزءا من هذه الحداثة، يتم تدويره كل مرة تبعا لحاجات الإنسان وظروف حياته التي كانت هذه المرة وهذا العيد عبارة عن "وباء".
راودني إحساس بأن كثيرين قاموا بعمل "شيفت" لشعر المتنبي في العيد، فبدلا من المقطع الأشهر "عيد بأية حال عدت يا عيد"، وهي مقولة تصلح للحالين الجيدة والسيئة، حضرت "وتعظم في عين الصغير صغارها / وتصغر في عين العظيم العظائم"، حيث أعيد تعريف كثير من الأشياء والمظاهر، وتم تقدير كل ما له قيمة وليس ما له ثمن.
هذه الجائحة من منظور اجتماعي بسطت كثيرا من التعقيدات، وهي فعلت حتى من المنظور الاقتصادي، لكنها في الجانب الاقتصادي أثرت في الحكومات والشعوب، لأن تعقيدات الاقتصاد وصلت إلى مرحلة لا تقبل التبسيط، وربما يكون الفرد أمعن التفكير في أسلوب إنفاقه، لكن بعضهم - أعانه الله - أضناه التفكير في مصائر حياته ومصادر عيشه، التي اختنقت أو كادت في أكثر من مكان حول العالم.
في قائمة الفرح أزاح الإنسان عن عاتقه كثيرا مما اعتقد من كثرة اعتياده أنه ضرورات حياة، وهو ليس كذلك، وفي قائمة الألم والحزن وضع خيارات جديدة أجبرته الحياة أو الأوضاع عليها.
على مر التاريخ الإنساني، كان "الغالب أفضل من المغلوب"، وهي فكرة سادت رغم عدم صوابها وإنصافها أحيانا، فرب غالب بمعيار معين هو مغلوب في معيار آخر. ولعل الإنسان في هذه المعركة مع جائحة الفيروس يغلب، ليس فقط بعلم أو لقاح أو علاج، لكن أيضا بتبسيط جديد للحياة والمفاهيم سيكون له ثمنه بالتأكيد، وسيزيد من القيمة، قيمة الإنسان، والحياة، وربما الكوكب.
تبسط بعض معاييرنا للعيش، وتعقد بعض مفاهيمنا الاقتصادية، وربما سنجد أنفسنا في عصر جديد بعد إعادة تدوير قناعاتنا وأساليب حياتنا.