مع ازدياد اشتعال العمليات العسكرية في ليبيا في الأيام الأخيرة، أعلنت تركيا أنها ماضية في تنفيذ اتفاقها مع حكومة طرابلس في ترسيم الحدود البحرية، الأمر الذي يتيح لها التنقيب عن النفط والغاز في المياه الليبية.

أوروبا كانت دائماً تعلي صوتها ضد قرارات تركيا في التنقيب عن النفط في البحر المتوسط، لا سيما عند سواحل قبرص، والآن امتد الطموح التركي إلى السواحل الليبية، وبدا المشهد معقداً أكثر من ذي قبل بشأن انتقال الاعتراضات الأوروبية إلى مرحلة أعلى من التصعيد، مع اتساع الجبهة التي يجب أن يتصدى لها الأوروبيون، وهم الآن ليسوا في أحسن أحوالهم بسبب جائحة كورونا من جهة، والمفاوضات الصعبة مع بريطانيا لمرحلة ما بعد بريكست بما يخص التجارة والبحار.

فلا يبدو الآن من صالح الأوروبيين زيادة التصعيد ضد تركيا من دون القدرة على اتخاذ قرارات ردع، لا تتوافر مقومات إطلاقها في المدى القريب، حيث لا ينسى الأوروبيون التهديد القديم الذي أطلقه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أنّ الإنذارات الأوروبية المتكررة قد تواجه بفتح الأبواب لأربعة ملايين سوري لاجئ في تركيا نحو أوروبا، وسبق أن فعل ذلك قبل سنوات، وأجبر الاتحاد الأوروبي على اتفاقية سداد مالي، والتي يبدو أنّ مفعولها بحاجة إلى تجديد.

أوروبا ذاتها ليست في صدد خوض أي معركة تكون الأمم المتحدة طرفاً فيها بسبب الاعتراف الدولي بحكومة طرابلس، التي يسيطر على حلفاء تركيا، كما أنّ أوروبا التي تعيد إصلاح اقتصاداتها المتضررة من الجائحة لا تريد التقاطع السلبي مع روسيا، التي تقيم أفضل العلاقات مع تركيا، وأن زيادة الضغط على الأتراك في هذه التوقيتات سيقوي محوراً قابلاً للتشكّل بين تركيا وروسيا مع إمكانية انضمام إيران إليه.

وفي ضوء تداعيات الأعمال العسكرية والجو الدولي غير المُستقرَّيْن، ستمر أعمال التنقيب التركية عن النفط في الساحل الليبي من دون اعتراضات تصل إلى حد التصادم.

وفي الوقت ذاته، فإنّ تركيا لا يمكنها التصرف بمعزل عن محيط مشحون ذي طبيعة عدائية لها على امتداد الخط البحري نحو ليبيا، مروراً بالمشكلات مع اليونان والشطر الثاني لقبرص وإسرائيل ومصر فضلاً عن بلغاريا باتجاه آخر، لذلك لا تستطيع تركيا أن تمضي إلى نهاية الشوط في حالة العداء مع دول معنيّة بالتنقيب والوجود التركي في سواحل شمال أفريقيا لها الإمكانات التي تستطيع بها أن تنغص على تركيا في أن تمضي في جميع الخطط بنجاح.