يكتسب يوم البيئة العالمي، الذي يوافق 5 يونيو من كل عام، ويحمل هذا العام شعار «التنوع البيولوجي» أهمية خاصة حيث أصبح التغير المناخي القضية الأكثر إلحاحاً على المجتمع الدولي في الوقت الحالي، وباتت تأثيراته وتبعاته الخطيرة وواسعة النطاق ملموسة في واقع حياتنا، فهي لا تقف عند حدود تغير أنماط الطقس التي تهدد الإنتاج الغذائي، أو ارتفاع منسوب مياه البحار التي تزيد من خطر الفيضانات الكارثية، أو حدوث تغيرات جذرية لا رجعة فيها في النظم البيئية الرئيسة، بل تتعدى ذلك بمراحل قد تؤثر في النواحي الصحية والزراعية والاقتصادية والاجتماعية والتنوع الحيوي وغيرها.

ولكن مع انتشار جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، وبروز إجراءات الإغلاق والحجر الصحي وتوقف حركة الطيران والمواصلات، تراجعت انبعاثات غازات الاحتباس الحراري حول العالم، حيث كان يتوقع قبل الجائحة أن تزيد الانبعاثات العالمية بنسبة 1٪ على الأقل هذا العام.

ولكن السؤال يبقى: هل تكفي التخفيضات المستمرة للانبعاثات على هذا النطاق للحد من ارتفاع درجة الحرارة عند مستوى 1.5 درجة فوق مستوياتها قبل الثورة الصناعية كما هو وارد في اتفاقية باريس لعام 2015 وبما يعزز تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030؟

ما هو واضح بالنسبة لنا، أن بقاء البشر في منازلهم صب في مصلحة كوكب الأرض، ما قد يدفعنا للقول إنه برغم عدم وجود أي فوائد للجائحة الحالية، فإن ما ترتب عليه من حظر للسفر والمواصلات غير الضرورية وفرض إجراءات إغلاق كامل في بعض دول العالم، جعل بوسعنا رصد التغيرات الإيجابية، التي تحصل لمناخ كوكب الأرض.

ومن خلال صور الأقمار الاصطناعية التي نشرتها وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) ووكالة الفضاء الأوروبية، رُصِدَ تراجع شهدته الصين خلال شهريْ يناير وفبراير، في انبعاثات ثاني أكسيد النيتروجين، التي تنتج في الغالب عن استخدام الوقود الأحفوري، ونجم ذلك عن فترة الحجر الصحي الذي شهدته الصين.

لقد تم حتى اليوم الإبلاغ عن أكثر من 6,7 ملايين حالة إصابة بفيروس كوفيد 19 على مستوى العالم وتجاوز عدد الوفيات 393 ألف منذ بداية الانتشار في 31 ديسمبر 2019 وقد أبلغت دولة الإمارات العربية المتحدة عن أول حالات لفيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) في 16 يناير 2020، وبعد ذلك قامت الحكومة بمراقبة الوضع عن كثب من أجل عدم تسريع الانتشار. وتماشياً مع إعلان منظمة الصحة العالمية للفيروس كجائحة وتطبيقاً لإجراءات إدارة الأزمات في العديد من البلدان؛ قررت دولة الإمارات تقييد الحركة في شكل برنامج التعقيم الوطني.

وبعد ذلك بدأت نتائج الإجراءات تظهر للعيان، حيث أبلغت العديد من البلدان التي طبقت الإغلاق الجزئي أو الكامل عن انخفاض ملحوظ في الملوثات وغازات الدفيئة (GHG). وسجلت الدراسات التي تبحث في صور الأقمار الاصطناعية عن مؤشرات مختلفة لجودة الهواء مثل انبعاثات ثاني أكسيد النيتروجين انخفاضاً متوسطاً بنسبة ٪40 - ٪50في الولايات المتحدة والصين. وتقترن هذه الانبعاثات عادةً بالأنشطة وبشكل أساسي بالمواصلات وتوليد الطاقة والتصنيع.

كما أفادت وكالة الطاقة الدولية (IEA) بانخفاض في الطلب العالمي على الطاقة بنسبة ٪3.8 خلال الربع الأول من عام 2020، وتتوقع أن يستمر في الانخفاض حتى ٪6. كما تتوقع الوكالة حدوث أكبر انخفاض على أساس سنوي على الإطلاق في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة ٪8.

وبينت عملية جمع تقارير صور الأقمار الاصطناعية المتاحة من وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) لبعض البلدان المختارة، بما في ذلك دولة الإمارات العربية المتحدة، إضافة إلى تقارير المواصلات الصادرة عن شركة «أبل» ( Apple Inc) أن دولة الإمارات تظهر اتجاهات مماثلة لانخفاض انبعاثات ثاني أكسيد النيتروجين، حيث يظهر ذلك بوضوح من خلال صور الأقمار الصناعية التي تقارن شهر أبريل لعام 2019 وشهر أبريل 2020.

وفي دولة الإمارات العربية المتحدة تتوافق نتائج الانخفاض الملحوظة مع تطبيق برنامج التعقيم الوطني الذي يحد من تنقل الأفراد داخل الدولة، كما يشير إليه مخطط التنقل والمواصلات لشركة أبل.

إن دراسة الملوثات القطاعية وانبعاثات غازات الدفيئة يمكن أن تضيف، على الأرجح، المزيد من الأفكار عن التأثيرات والتحليلات التفصيلية والمحلية. ومن البدء بجمع المعلومات ذات الصلة من المعنيين المختصين مثل هيئة كهرباء ومياه دبي، هيئة الطرق والمواصلات، بلدية دبي، وغيرها لتحديد الأثر البيئي المحتمل.

علاوة على ذلك، يجب تعزيز التعاون مع مركز محمد بن راشد للفضاء (MBRSC) لدراسة وتطوير الأساليب المحتملة للرصد (التصوير بالأقمار الاصطناعية والاستشعار عن بعد) لمختلف ملوثات الهواء وانبعاثات غازات الدفيئة مثل ثاني أكسيد النيتروجين وثاني أكسيد الكربون المنبعثة من مختلف الأنشطة الاقتصادية في دبي.

وختاماً أؤكد أنه في ظل التغير الإيجابي الذي يشهده مناخ الأرض وما يترتب على ذلك من آثار على البيئة يستدعي العمل على نطاق واسع على مستوى الحكومات والدول، واتخاذ إجراءات شاملة وواسعة النطاق لتبادل المعلومات حول التغيرات في البصمة الكربونية والانبعاثات من أجل مستقبل مشرق تنعم فيه أجيالنا القادمة ببيئة نظيفة، وصحية، ومستدامة.