حمد العامر

مرَّت الذكرى الثالثة للأزمة الخليجية المؤسفة دون أدنى تغيّر في المواقف، فالظروف لم تتغيَّر، بل على العكس من ذلك، اتسعت الهوّة بين الأشقاء، وازدادت المسافات تباعدًا، ودخلت وسائل التواصل الاجتماعي على خط الأزمة، وتحوَّلت إلى سلاح شطَّر الشعوب الخليجية بالحملات الإعلامية التي تجاوزت كل الخطوط الحمراء التي تحكم العلاقات، لتمضي الأيام سريعة وتتباعد دولة قطر شيئًا فشيئًا عن الركب الخليجي والعربي بملء إرادتها، لتسير الأزمة نحو مزيد من التعقيد!

وفي خضم ذلك التشابك والتباعد والتعقيد في الأزمة الخليجية، ووسط المخاطر المحدقة بالمنطقة من كل جانب، جاءت رؤية جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفه التي وافقت عليها قمة مجلس التعاون في أبوظبي عام 2009، حيث طرحت العديد من القضايا المهمة التي تنصب في تعزيز المواطنة الخليجية وكيان مجلس التعاون والعديد التساؤلات حول أوضاع المجلس المستقبلية:

• أين موقع (الأمن الاستراتيجي لدول الخليج) من ذلك؟ وهو الذي أضحى في خطر عظيم خصوصًا مع استعداد العدو الأول لها للانقضاض عليها لإنجاز مهمته التي بدأها من لبنان، سوريا، العراق، غزَّة، اليمن!

• وقد استبقت الرؤية الأحداث حول التهديدات الايرانية، فهل فكر المسؤولون بدول المجلس في معالجة التعزيزات العسكرية الإيرانية من حولهم وصدّ التدخلات في شؤونهم الداخلية؟

• هل فكَّر المسؤولون بدول المجلس في تقديم رؤية سياسية واقعية لمستقبل (العلاقات الخليجية الإيرانية) و(العلاقات الخليجية الأمريكية) في ضوء تلك التطورات والأحداث المتسارعة والمتنوعة وخطط التغيير الأمريكية التي نجحت في تحقيق أهدافها في عدد من الدول العربية؟

الحقيقة أن أيًّا من ذلك لا وجود له على أرض الواقع، فليس هناك تركيز على الأمن الاستراتيجي الخليجي، ولا تخطيط واضح لمستقبل العلاقات مع إيران والولايات المتحدة الأمريكية، ويرجع السبب الرئيس في ذلك هو عدم تنفيذ بنود الاتفاقيات الموقعة بين دول المجلس ذاتها، وعدم الاتفاق على الحد الأدنى من المواقف تجاه القضايا المصيرية التي تهدد وجودها وكياناتها أو في تطبيق رؤى أصحاب الجلالة والسمو وخاصة رؤية جلالة الملك حمد لعام 2009.

وهذا يناقض البيانات الصحفية المنشورة والتي لا فائدة مرجوة منها عندما يدقّ ناقوس الخطر، فكل دولة من دول الخليج لديها من المشاكل الداخلية والهموم ما يجعلها تتقوقع حول ذاتها، خصوصًا بعد أحداث (الربيع العربي) المزعوم، والضغوطات الدولية حول قضايا حقوق الإنسان المثارة في مجلس حقوق الإنسان في جنيف أو من خلال العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي التي أصبح هذا الموضوع هاجسها الذي يتفوق على مصالحها الاقتصادية والتجارية أو أوضاعها المالية المتردية بسبب انخفاض أسعار النفط إلى ما يقارب (40 دولارًا) للبرميل، والتأثيرات العظيمة الناتجة عن جائحة كورونا وما يترتَّب عليها من انعكاسات على خطط التنمية.

وبذلك أصبحت أوضاع دول المجلس وانشغالاتها وهمومها فرصة ذهبية لإسرائيل وإيران لتحقيق أطماعهما وأهدافهما، خصوصًا أن قاسمهما المشترك هو استمرار احتلال الأراضي العربية في فلسطين والإمارات.

إلا أن الوضع مع إيران تحديدًا يبقى (محلك سر) منذ نجاح الثورة الخمينية قبل (41) عامًا، وفشل محاولات دول مجلس التعاون في إقامة علاقات (حُسن جوار) معها؛ لتظل (إيران) هي الخطر الأكبر والدائم والمباشر الذي يهدد دول مجلس التعاون، بسبب تلّون السياسة الإيرانية وفقًا لأطماعها وأهدافها التي تسعى لتحقيقها في الخليج والمنطقة العربية، والتي -رغم العداء الإيراني الشديد للولايات المتحدة- تتفق مع الرؤية الأمريكية الجديدة للشرق الأوسط والخليج العربي، مما جعل الولايات المتحدة تصبح (الحليف الأكبر لإيران) بعد أن كانت قبل تفجيرات برجي التجارة العالمية في نيويورك في (سبتمبر 2001م) (العدو الأكبر لإيران).

حيث تقوم تلك الرؤية على مبدأين أساسيين ينسجمان تمامًا مع المصالح والأهداف الاستراتيجية الإيرانية، وهما:

1. الانسجام الغريب والاتفاق الذي لا يمكن فهمه فيما يتعلَّق بنشر مبادئ الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان في الدول العربية، وهذا ما كانت تهدف إليه الولايات المتحدة من الربيع العربي الذي انتهى إلى ما انتهى إليه من نتائج سلبية عادت على الدول العربية وشعوبها بحال من الفوضى وانعدام الأمن وعدم الاستقرار، وهذا يتفق تمامًا وأهداف الخميني قائد الثورة الإيرانية الذي نشر مبادءه بالفوضى في الدول العربية وادّعاء المظلومية لدعم الشيعة العرب.

2. ضمان تدفق النفط عبر خطوط الملاحة الدولية في الخليج العربي والبحر الأحمر ومضيق رغم التهديدات الإيرانية بإغلاق مضيق هرمز الذي حاولت إيران مرارًا المطالبة بالإشراف عليه من خلال مؤتمرات قانون البحار الذي تُشرف عليها الأمم المتحدة، لما للمضيق من أهمية استراتيجية كبرى جعلته يُستخدم دائمًا في لغة التهديد الإيرانية والتلويح بإغلاقه أمام الملاحة الدولية لما يُشكِّل إغلاقه من تداعيات اقتصادية عظيمة الخطورة على المستوى الإقليمي والدولي.

وحتى يضع مجلس التعاون الخليجي رؤيته الاستراتيجية وخططه المستقبلية بشأن ما يدور حوله من تطورات متسارعة وما يتعرَّض له من تهديدات مباشرة، يصبح لزامًا أن أُذكِّر بضرورة الرجوع إلى رؤية صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين لتفعيل مجلس التعاون والتي أُقرت في (قمة أبوظبي) عام (2009م) والتي تعد أساسًا قويًا وصحيحًا وجاهزًا لأي تصوّر أو رؤية استراتيجية مستقبلية لمعالجة علاقات مجلس التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية من جانب ومع إيران من جانب آخر ولأية علاقات مع أيّ دولة أو تكتل عالمي آخر.

المحلل السياسي للشؤون الإقليمية ومجلس التعاون