* هذه حكايةٌ تتحدث عن عَالِمٍ عَاد إلى مدينته بعد رحلة دراسية طويلة، وعند قدومه تَحَدَّثَ عن اختراعِه لجهاز عجيب، يَبُثّ أشعةً وذَبْذَبَات معينة في الجَو، بعدها تكون (كلُّ المَرَايَا) قادرةً على أن تَرْسِمَ وتنطقَ بجميع ما وقَع أمامها!!

* انتشرَ خَبَرُ هذا الجهاز، وأن تجْرِبته ستكون صباحَ غَدٍ، كان بعضُ الناسِ في المدينة غير مُصدّقٍ أو مُؤمن بهذا الاختراع، بينما كانت الأغلبية لا تستبعد فَعَالِيَتَه في إجبارِ (المَرَايَا) على حكاية ما شاهدته!!

* وهنا اختلى كُلّ إنسانٍ بنفسه مُتَذكراً ما فعَلَهُ خِفْيَة أمام «المِرْآة» (في بيته، في عمله، في الفندق، في سيارته ... وفي ... وفي...)؛ المهم كان الخوفُ حاضراً في نفوس أغلب سكان المدينة رجالاً كانوا أو نِسَاءً أو حتى أطفالاً مِن أنْ تكشف (جَاسُوْسِيّة مَرَاياهُم) ما صنعوه في الماضي، وما أخفوه!!

* تناقَصَ الليل واقترب موعد تشغيل الجهاز، وأهل المدينة أو جُلّهم في خوف واضطراب، مضتْ الساعات، وجاء الفجر لتَكْشِـفَ الشمسُ بعد طلوعها أنّ شوارع المدينة قد امتلأت بِـقِـطَع الزُّجَاج؛ لأن الناس هَلَعَاً مِن كَشف حقيقتهم قد حطَموا ما يملكونه من مَرايَا!!

* بعدها ظهرَ ذلك العَالِم عبر وسائل الإعلام ليُؤكد بأنه لم يخترع شيئاً، وأن ما قام به مجرد (خِدعَـة وتجربة إنسانية)، ليُراقِـب الناس تصرفاتهم بأنفسهم قبل أن تُراقِبَهم أو تشهد عليهم (مِرَاياهم)!!

* أخيراً أصدقائي ما أروع مراقبة الإنسان لذاته في خَلَوَاتِه، ففيها يصدر الحكم الصادق على تصرفاته، وما أجمل أن يعيش المرء بوَجْهٍ واحد؛ ولذا فضلاً تعالوا لِنحاولَ جميعاً نَزع الأقنعة، وهَجر الممارسات السّلبيّة في السِّرِّ والعلانية، وهَلِمّوا لِنزرع التفاؤل، ونرسِم الصدق الدائم على تصرفاتنا، والابتسامة البريئة على وجوهِـنَا؛ فَهي جواز السّـفَر للقلوب، وهي الطريق الأقصر لها، والَهَديّة المجانية التي يُكْسَـبُ بها المزيدُ من الأصدقاء.