ما هو مستقبل حزب الله اللبنانى فى ظل حصار إيران، وقانون قيصر، وأزمة الوضع الداخلى اللبنانى، وجنون الحكومة الإسرائيلية، وتدهور الوضع الإقليمى فى اليمن والعراق وسوريا وغزة؟

حزب الله يعيش مرحلة فاصلة فى تاريخه؛ فهو غير قادر على استخدام سلاحه ضد إسرائيل، وهو مثله مثل الوجود الإيرانى فى سوريا مطلوب خروجه من سوريا، وهو غير قادر على ممارسة القوة عبر المال السياسى الإيرانى، وغير قادر أن يكون مصدر «الثورة» الوحيد فى لبنان، بعد خروج شباب ثورة 17 أكتوبر 2019.

إذاً الحزب ممنوع من الحرب، من الثورة، من التأثير، من المال، فى ظل وضع داخلى يسير نحو الانهيار، ووضع إقليمى محاصر، ووضع دولى مربك ومرتبك.

من هنا تأتى أهمية الحوار الذى أجرته الزميلة المتمكنة «ليال الاختيار» فى قناة «إل. بى. سى» إنترناشيونال اللبنانية مع سماحة السيد نعيم قاسم، نائب الأمين العام لحزب الله.

والشيخ نعيم هو من العقول المؤثرة فى تشكيل فكر وأداء الحزب، ويتميز بقوة الحجة، وبراعة عرض المنطق الخاص بالحزب بأسلوب هادئ يجيد لعبة الشد والجذب السياسى.

ماذا جاء فى هذا الحوار الذى أذيع مساء الثلاثاء الماضى:

- حزب الله لا ينوى تغيير صيغة الحكم الحالية، فهو مع «الطائف»، والدستور.

- حزب الله ليس مع عقد مؤتمر تأسيسى لمناقشة النظام السياسى، وليس مع «المثالثة» ولا «الثنائية».

- الحزب جزء من تركيبة البلد، وهو مسئول عما يحدث بقدر مساهمته فيه.

- الحزب لم يأخذ لبنان إلى الخراب الاقتصادى، وأزمة نقص الدولار لا علاقة لها بنا أو بسوريا ولكن بسبب الضغوط الأمريكية.

- حكومة حسان دياب باقية ولا بد من دعمها.

- الحزب ليس شرطة حدود، وتأمينها ليس مسئوليتنا، نحن فقط تطوعنا للدفاع عن البلاد ضد إسرائيل.

- نحن حزب عقائدى، ونحن حماته الذين يدافعون عن الحق.

- السلاح أداة لمقاومة المحتل ولتحرير لبنان وليس للاستخدام فى الداخل أو لتحقيق مكاسب سياسية.

هذا أهم ما جاء فى كلام سماحة السيد نعيم قاسم حرفياً بقدر الإمكان.

كلام الرجل، للوهلة الأولى، مباشر، منطقى، لكن عند العودة إلى معايير القوة التى تنتج عن وجود حزب سياسى لديه أكثر من 100 ألف مقاتل مدرب و120 ألف صاروخ، ودعم مالى إيرانى، وظهير لوجيستى سورى فإن مسألة عدم التأثير هذه تحتاج إلى مناقشة عميقة، لأن أى طرف يعامل أى حزب قد يعامله بالند أو بناء على كتلته الانتخابية أو وزنه النسبى الشعبى ولكن حينما يكون حزباً مسلحاً فإن التوازن سيكون مفقوداً.

هذا المنطق الذى عرضه سماحة السيد، ببراعة معتادة منه، يبدو للوهلة الأولى «مفحم، رادع، حاسم، بارع»، ولكن أزمة هذا المنطق أنه صحيح فى طريقة العرض، والبناء، لكنه يخالف تماماً واقع الحال وحقائق الأمور.

أزمة المنهج فى حزب الله، أن المنطق سليم والشعارات حماسية قتالية نضالية ولكن ما هو على أرض الواقع يصطدم معها بقوة.

إن منهج مدارس «قم» فى التنشئة الفكرية للعقل الفكرى والتوجه السياسى للطائفة الشيعية الكريمة يحق أن يطابق واقع الحال ووقائع الحقيقة.

وفعل الحزب فيه وجهات نظر، لكن المؤكد أنه لا يوجد منصف أو عاقل يسحب منه شرف قتال العدو الإسرائيلى وتحرير الجنوب.

وفى الفكر الإسلامى، وهو ما دعّمه قول وفكر سيد الخلق، عليه أفضل الصلاة والسلام، والإمام على، رضى الله عنه وأرضاه، أن «الإيمان هو ما صدّقه العمل».

من هنا نأتى إلى لحظة الصدق الحالية التى تفرض نفسها على المأزق التاريخى الذى تواجهه المنطقة، وشبه الانهيار الذى يعيشه لبنان، والحصار الذى تواجهه إيران، وهبوب رياح رحيل نظام الأسد فى سوريا.

هذه اللحظة التاريخية تعيد فتح أسئلة جوهرية لا يمكن تأجيلها، لأنه فى ظل الأزمات الطاحنة لا بد من العودة إلى أبجديات المعادلة.

لذلك هنا تبرز هذه الأسئلة:

1- إذا كان اسم حزب الله هو حزب الله اللبنانى، فهل كلمة لبنانى هى صفة أدبية يوصف بها، أم التزام عضوى فى عقيدة وفكر وأداء الحزب؟

2- أيهما يعلو الآخر: التزام الحزب تجاه الطائفة أم الوطن؟ بمعنى إذا تعارضت مصالح الطائفة مع الوطن فأيهما يسبق الآخر؟

3- أيهما يسبق الآخر: مصالح لبنان كدولة أم إيران كمرجعية؟

4- قرار استخدام سلاح حزب الله، فى التوقيت وفى مسرح العمليات، وفى الأهداف، هو قرار للحزب أم للدولة اللبنانية؟

5- لبنان دولة عربية بالأساس أم دولة شرق أوسطية؟

6- قرار استخدام السلاح الخاص بحزب الله فى دول أخرى مثل سوريا، العراق، اليمن، أفريقيا، فنزويلا، هل هو قرار خاص بالحزب عابر لإرادة السلطة الشرعية ومؤسسات الدولة اللبنانية أم ماذا؟

هذه أسئلة قديمة تجدد الآن بقوة؛ لأنها فى هذا الظرف التاريخى غير قابلة للتأجيل أو التعطيل وشراء الوقت السياسى.

لقد وصل السيف إلى رقاب الجميع فى الداخل اللبنانى، وفى الخارج الإقليمى، لذلك لا بد من حسم الخيارات.

الذين لا عداء أو ثأر لهم، أو تناقض أيديولوجى، أو توتر مذهبى مع حزب الله يطرحون بأمانة وحرص وعقلانية على حزب الله السؤال المهم، بل والأهم وهو: هل لدى الحزب الرغبة فى الاستمرار فى حالة العناد السياسى، والتزمت الأيديولوجى، أم هو حزب واقعى يتعامل مع تحديات المرحلة دون الانتقاص من المبادئ والقيم؟

باختصار، هل يريد حزب الله أن يستمر فى السيطرة لمدة عامين ثم يتبخر وينتحر سياسياً مثل كل القوى التى أصرت على الجمود السياسى وتجاهل حقائق الواقع، أم يمكن أن يتجدد فيبقى جزءاً من نسيج الوطن والمنطقة والعالم الحى المتفاعل المتطور؟

باختصار، سيطرة لمدة محدودة أم بقاء إلى أجيال؟

باختصار، هل يستمر الارتباط الحديدى بالمصدر المرجعى فى إيران، والمصدر العسكرى فى الحرس الثورى، والمصدر المالى فى مكتب المرشد الأعلى الإيرانى، والمرجع الأمنى داخل سلطة الأمن العليا بدمشق؟

إذا أراد حزب الله إحداث نقلة تاريخية ونوعية فى عمره السياسى وبقائه الوجودى فإن عليه أن يخرج من الصندوق الفكرى الحديدى الذى يضعه فى قالب جامد انتهى دوره الوظيفى وتجاوزه الزمن، وعليه أن يسأل نفسه بصدق هذه الأسئلة الجوهرية:

هل يوجد حزب واحد ضمن 218 دولة من دول العالم يمارس دوره بشكل شرعى سياسى، ولديه كامل الحق فى ذات الوقت أن يمتلك سلاحه، ومقاتليه، خارج نطاق الدولة والشرعية؟

هل توجد دولة واحدة الآن على ظهر كوكب الأرض توافق سلطتها الشرعية على أن يتم تحديد قرار، وتوقيت، وشن حرب على الغير بشكل خارج عن مؤسساتها الشرعية؟

هل يوجد فى دول العالم قانون أو تشريع ما يسمح لقوى محلية بتلقى مال سياسى مباشر من دولة أجنبية عبر قنوات غير رسمية وغير معروف أوجه صرفها؟

هل توجد دولة فى العالم فيها مخازن سلاح خاصة، بعيدة عن سلطة الدولة ورقابتها وحق استخدامها؟

هل توجد دولة واحدة فى العالم، يكون فيها عدد وعتاد وموازنة «قوى متطوعة» كما وصفها الشيخ نعيم، أكبر وأقوى من جيش البلاد النظامى؟

باختصار هل مقبول أن يكون «الجزء» أكبر من «الكل»، أن يكون «الحزب» أقوى بقوة السلاح من كل الأحزاب السياسية مجتمعة؟

أكد سماحة الشيخ نعيم أن سلاح حزب الله لصد العدوان الإسرائيلى ولحماية البلاد من مؤامرات الخارج.

هذه العبارة الأخيرة حمَّالة أوجه؛ لأنها تعطى سلطة التقدير والحكم على أى مشروع كونه متفقاً مع المشروع الإسرائيلى فى الداخل السياسى أم لا.

إذاً هناك «تبرير» لدى الحزب للتدخل فى الداخل لمنع «مشروع سياسى إسرائيلى».

وكأن الدولة ومؤسساتها وقواتها العسكرية والأمنية ليست هى وحدها وبالأساس المفوضة لضمان الأمن القومى وحماية الجبهة الداخلية من أية اختراقات.

سوف تظل هذه الإشكاليات تضغط بعنف وبقوة وبتصاعد على عقل وفكر وسياسات حزب الله، وقد ظهر ذلك بوضوح منذ مظاهرات 17 أكتوبر 2019 وحتى عطلة الأسبوع الماضى فى بيروت وطرابلس وصيدا.

هنا ومن خلال تفكير خارج الطقس، خارج المعتاد، خارج الصندوق، خارج أى وصاية خارجية، يمكن للحزب أن يضع سلاحه وقواته تحت إمرة قيادة أركان الجيش اللبنانى، بحيث يصبح التالى:

- مخازن سلاحه تحت إشراف الجيش.

- قرار الحرب والتحركات العسكرية تتبع قيادة أركان الجيش.

- سلاح الحزب وخبرته القتالية ليست مقصورة عليه ولكن فى خدمة جيش الوطن.

- معلومات الحزب والاستطلاع العسكرى والنشاط الأمنى تدخل فى منظومة الجيش.

أتخيل أن من يقرأ كلامى هذا سوف يتهمنى إما بالجنون السياسى، أو الخلل الكامل فى إدراك حقيقة التزامات ومرجعيات حزب الله.

لذلك أقول إن حزب الله، الذى تأسس على قيم ومبادئ فى فبراير 1985، يحتاج الآن إلى وقفة مراجعة مع النفس للإجابة عن أخطر أسئلة حول مستقبله السياسى: هل يمكن أن يتم إدخال لبنان داخل منظومة الحزب، أم المنطقى أن يدخل الحزب برجاله وسلاحه داخل مؤسسات لبنان؟

سؤال يطرح نفسه، يحتاج لإجابة.