لا يملك الجيش المصري عقيدة عدوانية، وهو جيش دفاع وليس بجيش مهاجم، وهذه العقيدة تشكلت منذ تحرير سيناء في وقت الرئيس الراحل أنور السادات، وبقيت بعده هي العنوان لهذا الجيش.

وحين قامت الثورة المصرية الأولى في 25 يناير، اضطلع الجيش بمهام وطنية أخرى، حمت مصر من السيناريوهات الأخرى في ما سمي بالربيع العربي، والتي كان أسوأها السيناريو الليبي والسوري، وتكرر موقف الجيش في 2013، حين كرر رفضه للوقوف مع الرئيس ضد شعبه، فعل ذلك مع حسني مبارك وكرر ذلك مع محمد مرسي، رغم الاحترام الكبير لتاريخ مبارك العسكري.

في 2014 اعتدى تنظيم داعش على مجموعة من المصريين، فهبت الطائرات المصرية لقصفهم في ليبيا، وما فتئت القوات المصرية تقاتل الإرهاب في سيناء والذي يأتي عبر أنفاق غزة، ويتخفى بين أهالي العريش وما حولها، بدعم من قطر وتركيا بطبيعة الحال، ولا تغيب إيران عن المشهد الحمساوي، والذي يعتبر قادته قاسم سليماني شهيد القدس.

ومن يعرف مصر التي يسكن جل سكانها على جنبات النيل، يعرف أن النيل بالنسبة لمصر هو أسلوب حياة، إذا لم تر النيل فأنت حقيقة لم تذهب إلى مصر، النيل يسري من المصريين مسرى الدم في العروق، وبالتالي فما يمثله مشروع سد النهضة الإثيوبي على نسبة مصر من مياه النيل، هو تهديد بالقتل.

وقد سعت مصر بمختلف السبل إلى إيجاد حل سياسي مع السودان وإثيوبيا، والحق أنها نجحت في جلب موقف أكثر تفهما من السودان الجديد، مقارنة بموقف نظام البشير، لكن إثيوبيا ظلت تتعنت لأسباب يبدو أنها ذات علاقة بالمشاريع المعادية للمشروع العربي في المنطقة، وأخيرا قامت مصر برفع القضية إلى مجلس الأمن، كخطوة أخيرة في المسار السياسي للتعامل مع سد النهضة.

اليوم يترافق التحدي الإثيوبي، مع التحدي الذي يمثله التدخل التركي السافر في ليبيا، بعد توقيع اتفاقية مع حكومة الوفاق، بالرغم من أن الحكومة ليس من صلاحياتها توقيع اتفاق دون اعتماد البرلمان، والحكومة نفسها كما ينص اتفاق الصخيرات تحتاج اعتراف البرلمان والذي لم يتم أيضا.

وفي الشأن الليبي أيضا قامت مصر بخطوة سياسية، عبر الدعوة لحل سياسي بين الفرقاء الليبيين وعدم تجاوز خطوط التماس السابقة، وراعت الحساسية الجزائرية التاريخية من تدخل مصري في ليبيا، كما كانت رسالة لتركيا لعدم التدخل بهذا الشكل السافر، عبر تصدير المرتزقة والإرهابيين وتصدير السلاح لليبيا مخالفة للقرارات الدولية.

اليوم لم يبق أمام مصر خيار غير عسكري، كما لم يبق للسعودية قبل عاصفة الحزم أي خيار سياسي، في اليمن تصدت السعودية للمشروع الإيراني، واليوم تتصدى مصر للمشروع التركي في ليبيا، وكلاهما ينعم بالتمويل القطري بشكل أو آخر، ويفيد المشروع الإسرائيلي الساعي لضم أراض إضافية من غور الأردن والضفة الغربية.

وفي لقاء للصديق الأستاذ عماد الدين أديب مع خالد أبو بكر، تطرق للتحديين العسكريين لمصر اللذين سيضطران القاهرة للقتال لحماية أمنها القومي في ليبيا، ولحماية مواردها المائية التي يهددها سد النهضة في أثيوبيا، استشهد بالآية «كتب عليكم القتال».

واليوم فعلا نشهد قتالا مضطرين له وهو كره لنا، هذا القتال يجعل المشروع العربي والجيش العربي ليس ترفا، فنحن نعيش عقدا من التحديات التي سعت لسايس بيكو جديد، سعى لتقسيم المنطقة وسمي زورا ربيعا، وأودى بسوريا إلى دولة فاشلة، ولبنان دولة مفلسة، وليبيا دولة ممزقة.

اليوم يلح توحيد الرؤية الأمنية العربية المشتركة، حيث تتكامل المشروعات غير العربية المعتدية، فتركيا تعد إيران بجزء من الكعكة الليبية، وإيران تمنح تركيا دورا في اليمن عبر نافذة إخوان اليمن، تركيا وإيران تعانيان معا من مشاكل اقتصادية جمة، ووجدتا ضالتهما في فكرة سرقة خيرات بلاد العرب، عبر ما اعتبروه فائض قوة عسكرية، وسوء تقدير لقدرات الردع العربي.