بكل أسف أسقط مجلس الشورى المحاولة الثانية لتوصية تولي المرأة القضاء، الأولى تقدمت بها الدكتورة لطيفة الشعلان والثانية العضو عيسى الغيث، وكلتاهما لتمكين المرأة لتكون قاضية.

كما طالب المجلس وزارة العدل برفع نسبة التوظيف النسائي في قطاعات النيابة كاتبات عدل ومستشارات اجتماعيات.

هاتان التوصيتان لهما أساس في شرع الله تعضدهما العديد من النصوص، تشتد الحاجة إليهما في ظل نقص عدد القُضاة في المحاكم المختلفة، وزيادة عدد القضايا المطروحة أمامها.

علاوة على أن رؤية المملكة 2030م طالبت بتمكين المرأة وإفساح المجال أمامها لتؤدي دورها المطلوب والمساهمة في توطين خبراتها واستثمارها.

إن أعمال القضاء في المملكة تُستقى من القرآن والسنة النبوية، ومنهما استقى علماء المذاهب فقههم ومدارسهم التي عليها المسلمون اليوم.

فليس هناك نص يوحي بعدم جواز تولي المرأة مراتب القضاء المختلفة.

أجاز أبو حنيفة للمرأة أن تتولى وظيفة القضاء من غير (الحدود والقصاص)، خاصة في ظل وجود محاكم للأحوال الشخصية تباشر قضايا الطلاق وما يتعلق بها من حقوق الحضانة والنفقة، والعدة ومشاكل تتعلق بالمرأة تفهمها مرأة مثلها ويعجز عنها الرجل.

وقد ذهب ابن جرير والطبري لجواز (تولي المرأة وظيفة القضاء مطلقاً وبكل درجاته وأنواعه دون قيد أو شرط) وحجتهما في ذلك أن وظيفة القضاء مثل وظيفة الإفتاء، والإفتاء لا تُشترط له الذكورة فكذلك القضاء فجاز أن تتولاه المرأة.

عادةً من يرفض تولِّي المرأة مناصب الدولة يتكئ على أن المرأة تنتابها حالات ضعف بسبب وظائفها الفسيولوجية والطبيعية التي خلقها الله بها، وهذا الضعف قد يعيقها عن أداء مهامها، فالقاضي حين يحكم لا بد أن يكون في أفضل حالاته الإنسانية.

وقد أثبت العلم أن الرجل ينتابه ما ينتاب المرأة من تغيّرات فسيولوجية شهرية تغيّر مزاجه وتعكّر طبيعته والمرأة كالرجل تجوع وتغضب وتكتئب. فالمطلوب في تولي القضاء ليست ذكورة أو أنوثة إنما قدرات ومواهب وعلم.

يقول نبي الخير «إن الله يحب العبد المؤمن المحترف»، والخطاب الديني موجه للمرأة والرجل فمن احترف منهما القضاء تولّاه.

وهناك من يتكئ على حديث «لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة»، وقد طعن في هذا الحديث فقهاء المالكية بسبب جلد سيّدنا عمر أبا بكرة راوي الحديث، وهو في حكم الحديث المضطرب، كما أنه حديث آحاد لا يؤخذ به في مقام التشريع والحديث فيه بشارة من رسول الله بنفي الفلاح عن أهل فارس وبقرب انتصار المسلمين عليهم وقد تحققت نبوءته عليه الصلاة والسلام فلا يُؤخذ منه أي حكم شرعي مثل قوله تعالى، {غُلِبَتِ الرُّومُ}.

والبعض الآخر يتكئ على حديث «النساء ناقصات عقل ودين» فالحديث لا يصلح أساساً لحجب حق المرأة في الولاية العامة ولا بد أن ننظر إلى الحديث وظروفه، والنسوة اللاتي وُجّه إليهن الخطاب.

فمن المعروف أنه كان في يوم عيد، ولا يمكن أن نتصور وهو على خلقه العظيم، أن يحط من شأنهن، أو ينقص من كرامتهن أو يشكك في أهليتهن، أو يقلل من قدرهن في تلك المناسبة البهيجة. الحديث كان موجها لجماعة من نساء الأنصار اللواتي وصفهن ابن الخطاب بالغلبة على رجالهن.

ولهذا قال لهن عليه الصلاة والسلام: «ما رأيت أذهب من لب الرجل الحازم من إحداكن». فأراد أن يبرز حكمة الله كيف وضع القوة حيث مظنة الضعف، وأخرج الضعف من مظنة القوة، عظة نبوية تعني: إذا كان الله منحكن القدرة على الذهاب بلب الرجل الحازم برغم ضعفكن فاتقين الله ولا تستعملنها إلاّ في الخير والمعروف. ولا يمكن لهذا الحديث أن يحجب عن المرأة حقها في ممارسة الحياة السياسية، وإلاّ وجب أن نحجر عليهن في أموالهن، ولا نسمح لهن بأي تصرف قانوني، وهو أمر مرفوض شرعً.

هناك بعض الرجال فيهم من نقص العقل والدين الكثير، فبعضهم قد نسي حقوق الله أو تناساها عمدً أو سهواً، ومنهم من يصل إلى مرحلة من العمر يتعرض فيها إلى النسيان وفقدان الذاكرة، ومع هذا يتولون المناصب. إذن شرط عدم نقص العقل والدين للولاية يجب أن ينطبق على الجنسين دون تمييز.

لقد ساوى القرآن بين الذكر والأنثى بقوله تعالى {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ..}، والقرآن لم يختص بتكاليفه وواجباته الذكر دون الأنثى بل هما يعيشان في إطار واحد داخل قوله تعالى {مَنْ عَمِلَ صَالِحً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ..}، مشترطاً الإيمان وليس الذكورة والأنوثة.

يقول علماء الأصول إن كل من يصح منه أداء الشهادة ولو في موضع دون موضع يصح منه القضاء في الموضع الذي تصح شهادته فيه وذلك لأن كلا من الشهادة والقضاء من باب الولاية والشهادة أقوى من القضاء لأنها مُلزمة للقاضي مُلزمة للخصم، فحكم القضاء مستقى من حكم الشهادة ومن هنا يقول ابن جرير لا تُشترط الذكورة في القضاء. كما أن هناك قولا لحماد بن سلمة أنه يجوز للمرأة أن تكون قاضية في الحدود متفقاً مع عطاء التابعي.

يقول ابن قدامة إن كل من صحّ تصرّفه في شيء بنفسه وكان هذا الشيء مما تدخله النيابة صحّ أن يوكل فيه غيره وأن يكون وكيلاً فيه عن غيره رجلاً كان أم امرأة.

فليس هناك ما يمنع بأن تكون المرأة مأذونة أنكحة وعقود وقاضية ومُفتية وليست الذكورة شرطاً في ذلك. لا يصح إلا الصحيح. تولي المرأة القضاء خطوة قادمة وإن تأخرت.