في الوقت الذي كان فيه «سماحة السيد» يُطلق تهديداته بقتل كل من يُطالب بسحب سلاح حزبه ومليشياته وهو داخل مخبئه تحت الأرض في الضاحية الجنوبية المحتلة، كانت طهران ترتب صفقة تسليم سجناء أمريكيين لديها إلى واشطن في محاولة بدت وكأنها غزل إيراني خجول مع إدارة ترامب لعلها تخفف من وطأة عقوبات اعترف بقسوتها وتأثيرها الرئيس الإيراني روحاني وكبار مسؤوليه، فيما ظل «سيد الضاحية» يُنكر ذلك بصوت متحشرج غضبًا حتى وهو يطلب من أنصاره التبرع لمليشياته، والتي بدورها بدأت تتذمر من انقطاع وتقطع الرواتب ما دفع بها إلى شيء من البلطجة والابتزاز.

أما شيعة الضاحية، فقد ارتفعت أصواتهم بجرأة الجوع والحاجة والعوز لتكسر حاجز الخوف من مليشيا «سماحة السيد» الذي سمع أصواتها في مخبئه فرد عليها «نجوع ولا نسلم سلاحنا» ما يعني باللبناني «اصطفلوا».

وتوقيت طهران متأخر عن توقيت «سيد الضاحية» وعقارب ساعتها أكثر هدوءًا في تكتيك الأزمة الطاحنة اقتصاديًا في إيران المترامية الأطراف على عكس لبنان الصغير المحكوم بقبضة «السيد الحديدية».

وإذا كانت عقارب ساعة طهران تلتقي توقيتًا مع عقارب ساعة الضاحية في فترة القوة والنشوة، فإنها في فترة الأزمات الطاحنة تفترق وتتباعد وتختلف توقيت طهران عن توقيت الضاحية التي لا تملك ولا يملك «سيدها في مخبئه» سوى خطاب العنف والتهديد والوعيد، فهو ركيزته التي تقوم عليها مليشياته والتي بدونها لا قيمة «لسيد الضاحية» في المعادلة اللبنانية والسورية والإقليمية.

وهو يدرك ذلك ويعرفه تفصيلاً أكثر من غيره من قادة مليشياته ومن أنصاره وحتى من الخائفين منه في الضاحية وفي لبنان بما فيهم حزب عون الرئيس الذي أصبح «ليبراليًا بعمامة» خوفًا من سطوة مليشيات «سيد الضاحية».

ولا يعلم عون أنه خارج توقيت طهران وخارج توقيت الضاحية، فهو مجرد «وسيلة» ينتهي دورها بانتهاء الحاجة إليها، وهو موضوع آخر.

«سيد الضاحية» لن يُلقي سلاحه، وخزعلي العراق الموالي كما «السيد» لإيران خميني أغلق مكاتب مليشياته، والعامري استقال من البرلمان العراقي بمشورة أو بأمرٍ من طهران، فهل يلعب «سيد الضاحية» خارج الأمر والنهي الإيراني، لا يمكن ذلك أبدًا.

لكن توقيت طهران أعطى توقيت الضاحية «زمنًا» آخر، وكلفها بلعبة «المناوشة» غير عابئ بما ستكلفها «المناوشات» في زمن إعادة الترتيبات القادم في أفق لعبة الأمم.

ومناوشة سيد الضاحية تنعش ذاكرة فلول المليشيات الموالين الهاربين والمتوزعين بين العواصم وبقايا قنوات أفلست جماهيريًا لكنها واقعًا لا تفعل شيئًا مهمًا لهم، فيدورون مع عقارب ساعة سيد الضاحية، ويحاربون طواحين الهواء خارج الفعل.

وتوقيت سيد الضاحية مشغول وغارق في الهموم اللبنانية الخاصة، ولم يعد يلتفت إلى فلولٍ كانت يومًا في حضنه وقريبًا من حصنه، فعقارب الزمن الآخر دارت دورتها وتخطت من ينتظرون عقارب ساعة سيد الضاحية أو سيد قُم، فالزمن دوار وهي حكمة لم يتعلمها كثيرون منهم.

بين توقيت طهران وتوقيت الضاحية ثمة مواقيت وتوقيتات أخرى لم تتعطل ساعتها، ومازالت معادلة المواقيت تُسقط كل الساعات المعطلة التي توقفت على زمن مضى وانقضى، ومازالت تعيش في خيالاته وتستعيد أوهامه في غيبوبة خارج الوقت.