عندما يقول الإختصاصي في الأمراض الجرثومية البروفسور جاك مخباط لـ”النهار” إننا مقبلون على كارثة صحية وإجتماعية، فذلك لا يعني قياساً بما يجري وما هو مُحتمل، أكثر من التردّدات الأولى لهزّة كبيرة او لبركان سينفجر. وعندما يحلّق رقم الإصابات بالكورونا الى ٥١ كما أعلن ليل الأحد الماضي، فذلك لا يعني شيئاً بالنسبة الى الكثيرين، أكثر من مُجرد ٥١ مصاباً إضافياً لكننا مجرد خمسة ملايين، ولو كنا في بلد من مئة مليون لكان الرقم إرتفع الى أكثر من ألف؟

هل هذا مهم، بالنسبة الى اللبنانيين الذين يغامرون للخروج من سجونهم المنزلية بعد خمسة أشهر من الإختباء وراء الأقنعة والجدران؟ ليس بالضرورة مع أنه يجب ان يثير الذعر، لكن بالنسبة الى الدولة، فانها في مكان آخر مشتبكة حول أرقام أخرى، تفاوض صندوق النقد الدولي على أساسها، لكن المسؤولين في الصندوق ودول العالم التي تحترم مواطنيها، ينظرون حتماً بإزدراء الى دولة وحكومة ومسؤولين، لم يجدوا حلاً بعد للقطاع الصحي في بلد ليس مهدداً بكارثة الكورونا فحسب، بل أنه مهدد في ابسط المستلزمات الصحية، وخصوصاً مثلاً بعد تهديد إحدى الشركتين اللتين تؤمنان الأوكسيجين للمستشفيات بأنها وصلت الى حد العجز عن تسليم هذه المادة، إضافة الى غاز البنج الضروري لإجراء العمليات! لكن ما قيمة الأوكسيجين في بلد محكوم بالإختناق، وما قيمة غاز البنج في بلد ميت تحت مشارط العوز والجوع، طبعاً لا شيء، لا شيء على الإطلاق تماماً، فهؤلاء الناس أختار لهم القدر ان يكونوا رعايا دولة كانت دائماً أشبه بالمسلخ!

هذه حكومة تفكر وتجتهد في التفكير، طبعاً من الضروي في النهاية ان يتاح للمواطن اللبناني ان يعود الى بلده سواء من بلاد لا تجري الفحص للوباء او من غيرها، ومن الضروري أيضاً ان نتشبه بدول العالم ونفتح ليس المطار وحده، بل المقاهي، فنحن بلد داهية في الذكاء نقفل المدارس لمنع الإختلاط، لكننا نفتح المسابح لنبترد في أحضان الكلور “المضمون جداً” رغم عدم التوصل الى إكتشاف لقاح بعد، ونحن بلد يعود الى الحياة الطبيعية، وقد ضاق خلقنا من الإغلاق طبعاً، فلندع روائح النارجيلة تصل من بيروت الى صنين، فالأستاذ “coved-19” يحب روائح المعسّل!

نحن بلد يحاول إستعادة دورة الحياة الطبيعية مثل دول أخرى، لكن الفرق بسيط جداً، فنحن لا نملك الأوكسيجين هذا إذا كنا نملك أصلاً ما يكفي من الأجهزة في المستشفيات لإسعاف ضحايا الإختناق بالكورونا، ونحن “مقبلون على كارثة” ونملك ٥٠٠ سرير للعناية الفائقة، ومع الإنفتاح قد نحتاج الى ٥٠٠٠ سرير، فماذا فعلنا والكورونا يقطع انفاسنا منذ خمسة أشهر؟

في ١٢ تشرين الثاني العام الماضي تظاهر الأطباء محذرين من ان المستشفيات ستصبح عاجزة عن توفير الجراحة المنقذة للحياة والرعاية الطبية العاجلة جراء الأزمة المالية، وبعد أشهر هدد نقيب المستشفيات سليمان هارون قائلاً للدولة: تفضلوا وتسلموا مفاتيح مستشفياتنا فقد عجزنا، وفي ٢٦ تشرين الثاني الماضي حذّر وزير الصحة السابق جميل جبق من ان النقص في المعدات الطبية سيخلق وضعاً خطيراً، وكان السيد كورونا يقهقه دائماً ويطبق على صدور المصابين! وماذا قررت الدولة التي غرقت في فضائح الفيول وفي تجارة النفايات، والتي قيل إنها استوردت ٨ ملايين طن مازوت وحاجتها لا تزيد عن أربعة ملايين، والباقي ذهب الى الشقيقة، ها هي مثلاً تلحس قرارها بعد ٢٤ ساعة، وتنسى كورونا والأوكسيجين، وتقرر ان تصرف ٥٠٠ مليون دولار لأن ‘الست سلعاتا” ستعطينا كهرباء ٢٤/٢٤، ربما لإضاءة صالات تقبل التعازي، اذا صحّ تحذير مخباط من كارثة الكورونا… لا سمح الله الذي ليس لهذا الشعب غيره!