الهوى الأمريكي يوافق طمع أردوغان بالنفط الليبي الخفيف والقريب من الأسواق الأوروبية فوق هوسه بإحياء أمجاد الإمبراطورية العثمانية.

لا بد أن عمر المختار يتقلب في قبره؛ لأن بلاده تتعرض للغزو، ولا بد أنه ساخط على من كان يعتقد أنهم من أهله؛ أولئك الذين استدعوا أردوغان؛ لكي يأتي لاحتلال ليبيا. الطامة الكبرى أن الخيانة لم تصدر عن فرد أو أفراد معدودين، وإنما صدرت من أحزاب وجماعات في تحالف غريب بين ذوي اللحى والجلابيب البيضاء وأصحاب البدلات والياقات البيضاء؛ لكن الغرابة تزول حين لا ينظر إلى الأبواب التي أطلوا منها؛ فسواء خرجوا من المساجد أو من الحانات، فإن الحقيقة واحدة؛ وهي أنهم أتوا من سراديب وأقبية المباني السرية بأجهزة استخبارات غربية و«إسرائيلية».

أكثر من هذا، لم تنحصر الخيانة في الجماعات الطامحة بالوصول إلى السلطة بأي ثمن، وإنما توسعت لتشمل أسراً وأحزاباً وشخصيات تقبض على السلطة في بلدانها. وفي وقت ما كانت هذه تمارس المحظور والمحرم داخل غرف مغلقة، والآن ذهب عنها الحياء، فخلعت ثياب العفة، وخرجت إلى الأسواق، ترتكب المعاصي، وتأتي الأفعال المشينة على مرأى ومسمع من الجميع.

ففي ليبيا تتولى دولة عربية تمويل «الإخوان» المسلمين والتنظيمات الإرهابية المتفرعة عنهم، حتى إذا ما قرر أردوغان غزو ليبيا قدمت له ( 15) مليار دولار تحت ستار المساعدة؛ لمكافحة فيروس «كورونا»، وتكفلت علناً بتجهيز قاعدة الطوية العسكرية؛ لتكون تحت تصرف الأتراك؛ وذلك يظهر أن ما فوق الطاولة غير ما يمشي تحتها.

كما أن هناك وراء حدود ليبيا الغربية، راشد الغنوشي رئيس الفرع التونسي ل«الإخوان» المسلمين، الذي ذهب إلى أنقرة من تلقاء نفسه من دون أن ينسق مع أحد، ومن دون علم الدولة التونسية ورئيسها، ليعرض خدماته، ويقدم التسهيلات اللوجيستية ثم يصرح بلا حياء أن تركيا تحرر العرب!

والثابت أن أردوغان لم يكن ليقدم على هذه المغامرة من دون أن يتلقى الضوء الأخضر من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الرئيسية الأعضاء في حلف الناتو. و منذ أسبوعين نشر موقع «ياهو» الأمريكي؛ وهو موقع صهيوني، أن أردوغان اتصل بترامب، وأن الأخير وافقه ونصحه بالاتجاه نحو شرقي ليبيا.

ويهم الولايات المتحدة قطع الطريق على أي تواجد روسي في البلاد التي تتميز بموقع استراتيجي مهم شمال إفريقيا، وجنوب أوروبا. والهوى الأمريكي يوافق طمع أردوغان بالنفط الليبي الخفيف، والقريب من الأسواق الأوروبية، فوق هوسه بإحياء أمجاد الإمبراطورية العثمانية. ويريد أردوغان أن يُحكم الطوق حول مصر، فإن له معها ثارات قديمة وجديدة، فقبل قرنين كان إبراهيم باشا هو أول من كسر رقبة الإمبراطورية التي عجزت أمامها الإمبراطوريات الأوروبية المنافسة، عندما وصل إلى مشارف إسطنبول، واستولى على الأسطول التركي وقاده إلى الإسكندرية.

وفي الأمس القريب، وجه المصريون ضربة موجعة لأردوغان؛ عندما قطعوا في 30 يونيو/حزيران رأس الفرس التي كان يتطلع إلى العودة فوق ظهرها إلى حيث دخل سليم الأول بالخيانة قبل خمسة قرون. ومصر تواجه الإرهاب في سيناء الذي يدار من تركيا، وتتعرض في الجنوب لخطر التعطيش، وفي الشمال يمد أردوغان حباله؛ للتنقيب عن النفط خارج مياه بلاده الإقليمية؛ وإذ يذهب إلى ليبيا فإنه يكمل الطوق؛ لكنه مع ذلك يتخذ موقعاً ضاغطاً على تونس والجزائر، وإن لم يدرك حكام البلدين. ولا يخفي أردوغان أطماعه المالية والاقتصادية من حديثه عن تقاسم نفط سوريا مع الولايات المتحدة إلى تأكيد النية في استثمار النفط الليبي. وهو يمد بصره جنوباً إلى اليمن؛ حيث ترتفع دعوات كتائب «الإخوان» الإعلامية هناك؛ دعماً لهذا المهووس والواهم.

غير أنه مها بدا من انتصاراته المؤقتة، فإن عمر المختار يتقلب في قبره، ويحرض شعبه، ولا بد في النهاية من أن يركله الليبيون، ويطيرون صوابه.