منذ أن اجتاحت العالم العربي موجة "الفوضى الخلاقة"، والقيادة السياسية في دولة الإمارات تعلن بشكل واضح أنها لن تقبل على الإطلاق المساس بالتراب العربي والأمن العربي.

يبدو أن هناك خللا أصاب عقول ونفوس البعض من الشعوب العربية، خاصة من يحملون أفكارا مشوشة عمّا تقوم به كل من دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية، تعكس من خلالها مواقف وطنية وقومية عربية في مواجهة طموحات ومشروعات دول إقليمية وعلى رأسها إيران وتركيا.

أقول هذا بعد رصد العديد من الانتقادات وحملات الشتائم، التي يطلقها بعض الإعلاميين ممن يحسبون على أنهم قادة الرأي العام، إما بأسمائهم الصريحة أو الوهمية في وسائل التواصل الاجتماعي، بهدف خدمة الأجندات الإيرانية والتركية، والغريب أنهم يدافعون عن الدولتين بحماس وكأنهم من مواطنيها مع أنهم يرون كيف تتسبب سياسات هاتين الدولتين في قتل الإنسان العربي، مثلما يحدث في العراق وسوريا وليبيا.

هذه المواقف الغريبة التي تعمل على تشويش المواقف الوطنية العربية، إن دلت على شيء، فهي تدل على أن هناك خللا في عقولهم، وأن هذا الخلل أعماهم عن رؤية حقيقة مواقف القيادة الإماراتية التي تبنت نهج الوضوح والشفافية والمواجهة الصريحة، دفاعا عن الحقوق العربية، وراهنت على الإنسان العربي الوطني، وهم الأغلبية مقابل من قبلوا أن يكونوا جنودا لمشاريع الآخرين، الذين (ربما) افتقدوا القدرة على التمييز بين عدو وصديق.

انتباه المواطن العربي للمخاطر الاستراتيجية التي تشكلها كل من إيران وتركيا على أمن الدولة الوطنية والأمن القومي العربي، لا يرقى إلى الدرجة التي تخططان لها. وأن مسألة الهجوم على أي تحرك إماراتي للحفاظ على الدولة الوطنية العربية، باتت جزءا من العادة والمألوف. ولن أكون مبالغا إن قلت إنهم يرون من خلال المفاضلة والمقارنة، أن هاتين الدولتين أفضل من كل الدول العربية، وليس الإمارات فحسب.

لا يمكن وصف هذه المواقف المشكوك فيها، وتعبئة الرأي العام العربي ضد دول عربية ترى في تقوية الدولة الوطنية من خلال إبعاد أصحاب الأجندات السياسية المغلفة بالدين، الذين يحاولون خلال هذه الأيام في تونس القضاء على التجربة المدنية التي كانت نموذجا للتسامح والتنمية، إلا أنها حماقة خطيرة يمكن أن تطيح بكل المجتمعات العربية التي تعاني من “هشاشة” سياسية بفعل هؤلاء المخربين.

وربما يتصاعد الأمر لأن تفقد كل القضايا العربية والإسلامية حتى مجرد التعاطف معها ويبدو لي أنها بدأت تحدث مع قضية العرب الأساسية القدس وهي مسألة خطيرة جدا وجب التحذير منها.

إن كان وجود موقف عربي رسمي وشعبي ضد ممارسات إيران وتركيا، الساعية إلى تخريب الدولة الوطنية العربية، صعبا حاليا، فالشيء الذي ينبغي أن يحدث هو عدم الوقوف ضد الدول العربية التي امتلكت الجرأة والشجاعة السياسية للمواجهة حفاظا على الدولة العربية وأمنها.

الشيء الذي يجب أن يكون واضحا لتيارات الإسلام السياسي، وخاصة الإخوان المسلمين الذين يقودون تلك الحملات الإعلامية، أن دولة الإمارات اتخذت على نفسها عهدا بالوقوف مع المجتمعات العربية ومع المخلصين من أبنائها، حتى لو هوجمت، لأن التاريخ يسجل المواقف الوطنية.

منذ أن اجتاحت العالم العربي موجة “الفوضى الخلاقة”، والقيادة السياسية في دولة الإمارات تعلن بشكل واضح أنها لن تقبل على الإطلاق المساس بالتراب العربي، ولن تتهاون أو تتردد في التصدي بكل قوة ووضوح لأي محاولة يمكن أن تؤثر من قريب أو بعيد على الأمن القومي العربي، ومسألة الانزعاج وتهييج الرأي العام العربي من قبل الأذرع التركية والإيرانية إنما هي “الصراخ على قدر الألم”، الذي تسببه المواقف الوطنية الإماراتية.

هناك تزامن مريح بين الحملات الإعلامية الموجهة ضد دولة الإمارات في الدول العربية، وبين صحوة المواقف الوطنية لبعض الشخصيات السياسية لاسترجاع الدولة الوطنية والدفاع عن جر البلاد إلى مواقف تضرّ بها، وكلما كانت المواقف الوطنية، سواء في تونس أو مصر أو اليمن، تحقق نتائج إيجابية على الأرض، ازدادت معها الحملات المغرضة ضد الإمارات. وهو تزامن يوضح العلاقة بين الدولة الوطنية الحق، وبين المساعي الإماراتية لمنع سياسات تخريبية فيها.