يسوق نائب الرئيس الأمريكي السابق والمرشح الديمقراطي لسباق الرئاسة الأمريكية جوزيف (جوي) بايدن إنجازات إدارة أوباما - بايدنفي مقالة نشرها في مجلة «فورين افيرز» لعدد شهر مارس /‏ أبريل. تمامًا مثل ما يفعل خبراء التسويق عبر تعبئة المنتجات بعلب جميلة زاهية ملفتة للنظر بغض النظر عن محتوى العلبة الجميلة، فخبراء التسويق يلعبون على الجانب النفسي والبصري لا العقلي ولا المنطقي للمتلقي، فيكفي أن تكون العلبة مغرية لكي يثق بها المتسوّق ولا داعي للتأكد من جودة أو مصداقية المنتج نفسه.

عندما سوَّقت إدارة أوباما - بايدن الاتفاق النووي السيئ مع إيران، قالت إنه أفضل من الحرب وأنه جنّب العالم خطر حصول إيران على السلاح النووي، وأن هذا الاتفاق التاريخي جنّب العالم الكثير من الويلات والدمار، وتقبّل أغلب المتلقين الغربيين هذا الكلام على أنه إنجاز حقق السلام والاستقرار المنشود للشرق الأوسط ولم يتأكد من محتوى العلبة الأوبامية، برغم كل الصيحات التي أطلقتها الدول المتضررة وهم حلفاء تاريخيون لأمريكا.

يكرّر جوي بايدن اليوم من خلال مقاله الأخير تسويق العلبة الأوبامية وهو متأكد أن المتلقي لن يعيد النظر ولن يتحقق من محتوى العلبة، فيُعدد الإنجازات التي حققوها بما فيها «الصفقة التاريخية متعددة الأطراف لمنع إيران من الحصول على الأسلحة النووية» كما أسماها، أولاً هو يعترف ضمنًا أن إيران كانت تسعى للحصول على أسلحة نووية وكان يتوجّب إيقافها، وفي هذا التوجه لا يختلف عن نيّة وتصريحات ترامب، ولا عما نسعى له في دول الخليج العربية، وثانيًا هو يعترف ضمنيًا أيضًا أن الهدف لم يكن أبدًا يتعلق بأي سلوك أو مهدّدات تقوم بها إيران بما في ذلك ما يتعرّض له حلفاء أمريكا من أضرار خطيرة تهدد أمنهم وسلْمهم بشكل مستمر وحقيقي سواء عبر الصواريخ البالستية أو من خلال عملاء ايران المنتشرين في المنطقة العربية.

يقول بايدن هذا الكلام وهو يعرف أن لن يلتفت أحد لمصداقية كلامه إنما لشكل العلبة فقط، والشعارات الكاذبة التي عليها، فهو في موضع آخر من ذات المقال ينتقد ترامب لتخليه عن حلفاء أمريكا ويتعهد بإعادة قوة تحالف أمريكا معهم، وفي هذا القول تجاوز أن الإدارة التي يسوّق إنجازاتها تخلّت عن حلفاء أمريكا سواء دول الخليج العربي أو مصر أو الأكراد أو أهل سوريا الذين عشّموهم بالدعم وبالخطوط الحمراء وتركوهم يواجهون كيماوي بشار ودواعش إيران والجماعات الإرهابية، ومع ذلك فهو يتكلم بكل ثقة لأن المتلقي الأمريكي لن يراجع كلامه ويطابق الكلام بالفعل، أما نحن فخبرنا المنتج ونعرف أضراره.

وجه بايدن انتقادًا مباشر لترامب بأنه حطم مصداقية أمريكا خارجيًا، وهو الذي كان مشارك لأوباما في رسم الخطوط الحمراء التي تجاوزها حتى أتفه المجرمين والإرهابيين، صحيح أن ذاكرة البشر قصيرة لكنها لم تنسَ كيف أنهى أوباما فترته الرئاسية وهو يزور الدول ولا يستقبله زعماء تلك الدول في المطار مع أنه كان مازال رئيسًا لأمريكا العظمى وهو من شاهد رجال البحرية الامريكية أسرى يذلهم النظام الايراني ولم يفعل شيئًا - قائمة الأمثلة كثيرة ولا يسعها مقال واحد - ومع ذلك ينتقد ترامب بأنه حطّم مصداقية ومكانة أمريكا. وعلى ذات الخط ينتقد بايدن «انجاز» ترامب بتصفية الارهابي قاسم سليماني من غير تكلفة بشرية أمريكية في عملية عسكرية استخباراتية عالية الدقة والحسم بحجة ان هذا العمل سيزيد من تصاعد العنف في المنطقة ولم تسعفه الذاكرة - أو يعلم أن المتلقي لن يسأل - أنه وأوباما احتفلوا بقتل الإرهابي أسامة بن لادن زعيم القاعدة الإرهابية بذات الطريقة، فهل قتلهم لإرهابي لن يزيد من العنف المتصاعد وقتل ترامب لإرهابي آخر تلطّخت يداه بدماء امريكان وغيرهم سيشعل العنف!! ما لكم كيف تحكمون!

عمومًا، لا يعنيني شخصيًا من يفوز في الانتخابات الامريكية أو من أكثر صدقًا او كذبًا فيهم، لكن ما يعنيني هو انعكاس هذا الأمر على أمن واستقرار ومصالح الخليج العربي ويجب أن يكون هذا هو معيار ومقياس جميع سياسات وتوجهات صناع القرار، فالمهم هو أن نعرف ما الذي يخدم مصالحنا وكيف تكون المنفعة متبادلة. وفي هذا الخصوص، يقول جو بايدن في ذات المقال التسويقي: «يجب أن ننهي دعمنا للحرب التي تقودها السعودية في اليمن، وأن نركز جهودنا على مكافحة الإرهاب حول العالم وفي أمريكا»، لذلك نقول لبايدن عفوًا فالإرهاب الذي يأتي من إيران والصواريخ التي يطلقها الحوثيون على المدن السعودية والأموال التي خرجت

من عندكم للنظام الايراني الارهابي وساعدته على توسعة نشاطاته الإرهابية وترككم الشعب السوري يُقتل ويشرد بدعم من النظام الايراني وتحالفكم مع الإخوان المسلمين وتفريخهم للإرهاب يعني انكم شركاء لأنظمة ونشاطات إرهابية حقيقية راح ضحيتها مئات الآلاف من الضحايا ومازالت آثار سياساتكم مستمرة وتدفع ثمنها شعوب المنطقة، أم أنكم لا تعلمون؟ ولذلك نقول لا لمنتجاتكم الداعمة للإرهاب والفوضى حتى لو كانت العلبة تقول أن هدفكم تحقيق السلام في العالم، ونقول لا لكل أشكال الإرهاب قولاً وفعلاً، لا الإرهاب الذي تختارون محاربته مقابل دعم الارهاب الآخر.