غسان عياش

لا شأن لنا بالإشكالات القانونية التي تتعرض لها سفيرة الولايات المتّحدة الأميركية في لبنان، فوراءها دولة عظمى تحميها. وإذا أراد قاضي العجلة في صور أن يزجّ بها في السجن، يمكن لدولتها أن ترسل الأساطيل لإنقاذها، إذا كان الأمر يهمّها.
ما يهمّنا أكثر، إضافة إلى ما يمسّ الحرّيات الإعلامية، هو الملاحظة التي وردت في الحديث التلفزيوني للسفيرة الأميركية والتي اتّهمت فيها "حزب الله" بأنه يضرّ بالحياة الاقتصادية في لبنان لأنه، على حدّ قولها، "يشفط" مليارات الدولارات التي يفترض أن تذهب إلى خزينة الدولة.

فهل صحيحٌ بأن الحزب يلحق أضرارا مباشرة بالاقتصاد اللبناني، عن طريق حرمان الخزينة اللبنانية من مليارات الدولارات كلّ عام؟

الخسائر المباشرة التي يلحقها حزب الله بمالية الدولة هو موضوعٌ مطروحٌ منذ سنوات، لكنه لم يتعدّ الشبهات والأقاويل. ولم يتمكّن أحدٌ، حتى الآن، من تقديم البراهين الحسّية على هذه الخسائر أو حجمها، واكتفي بالإشارة إلى أن الحزب يغطّي، كما يُقال، مرور السلع في المعابر الشرعية وغير الشرعية دون تسديد الرسوم الجمركية.

لكن الخسائر غير المباشرة الناجمة عن هيمنة الحزب على الدولة تفوق مئات وآلاف المرّات الخسائر المباشرة، إذا وجدت. هذه الهيمنة دمّرت وتدمّر ركائز الاقتصاد اللبناني التقليدية قبل بناء اقتصاد بديل يناسب "المجتمع المقاوم".

تعرّض النظام الاقتصادي اللبناني للنقد منذ عقود طويلة، لكونه يرتكز إلى بنية وحيدة الجانب، ولا يؤمّن لجميع الطبقات والمناطق فرصا متساوية للحياة. ولكنه، بالمقابل، أقام اقتصادا ناجحا في العديد من وجوهه، فحقق معدّلات نموّ عالية، وعمالة مقبولة، وبنى مؤسّسات مصرفية وتعليمية واستشفائية رائدة في المنطقة. كان الدخل الفردي في لبنان أعلى من مستوى الدخل الفردي في كل الدول العربية المجاورة.

من أهمّ الركائز الذي استند إليها الاقتصاد اللبناني هي انفتاحه على الغرب وانتماؤه الكامل إلى العالم العربي. ولا مخرج للبنان من المحنة الحاضرة إلا بالعودة إلى هذه الأسس، إلى انفتاح بدون تحفّظ على العلاقات الثقافية والاقتصادية مع الغرب وإعادة تأكيد الانتماء العربي، والتزام الموقف العربي الواضح في كل النزاعات الإقليمية.

فهم اللبنانيون وغير اللبنانيين بأن أولوية حزب الله هي حماية سلاحه، وبات مسلّما به بأن المساس بالسلاح خارج اتّفاق وطني يؤدّي إلى تفجير البلد. لكن، بعيدا عن هذه القاعدة، فإن هيمنة الحزب على السلطة والحياة السياسية في لبنان تساهم في تسريع الانزلاق نحو المجاعة. وإذا كان من دور لحزب الله في الخروج من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية غير المسبوقة في لبنان، فهو في تفرّغه للمقاومة وإعتاق الدولة من القيود التي يفرضها عليها.

يجب أن يعود لبنان عضوا محترما ومحظيا في الإطار العربي، وصديقا لبلدان الخليج العربي بالذات، وليس منبرا للتهجّم على حكام الخليج وحكوماته. يجب أن يعطي الشعور بالأمان لكل مواطن أو مستثمر أو سائح عربي، وأن يبقى كما كان عبر تاريخه الحديث مرآة لثقافات الغرب وقيمه السياسية.

مشاكل لبنان كثيرة وكلها ناجمة عن سوء إدارة البلاد، لكن فاتورة العزلة والعداء للعرب والغرب تفوق قدرة اللبنانيين على الاحتمال. ومع ذلك فهناك من يسوّق لفكرة العزلة والتحول إلى بلد معاد للغرب على غرار فنزويلا.

في العام الماضي فاق معدّل التضخّم في فنزويلا كل تصوّر، ومنذ سنة 2016 بلغ التضخّم 54 ألف بالمئة. تبعا لذلك زادت الحكومة الحدّ الأدنى للأجور 26 مرّة في ستّ سنوات، في بلد نصف سكّانه عاطلون عن العمل. فنزويلا التي تختزن أهمّ احتياطات النفط في العالم بات انتاجها النفطي أقلّ ممّا كان عليه سنة 1974.

اللبنانيون بمعظمهم لا يريدون تحويل بلدهم إلى نموذج آخر، معاد للغرب ومنفصل عن نظامه الاقتصادي. ومن يريد أن يحوّل لبنان إلى فنزويلا، فعليه أن يستفتي اللبنانيين أوّلا ليعرف إذا كانوا يرغبون بهذا الخيار.