كتبتُ نحو 60 مقالًا في الصفحة الأخيرة، وتحديدًا في الزاوية التي يكتب فيها فهد عافت، وقبل أن أنتقل مؤقتًا للكتابة في مساحة “زاوية فهد عافت”.
كنت أكتب في هذه الزاوية، وهذه الصفحة التي تقرؤونها الآن، وهي صفحة أحبها، لأنها “مِدارية”، كما يقول أحبتنا في مصر، وسبب محبتي للصفحة “المِدارية”، هو أنني وفي بعض الأيام أشعر بأنني لم أكتب شيئًا جيدًا، وهذا ما كان يحصل، ويُشعرني بالحرج والتقصير تجاه القارئ، وعلى الرغم من أن لا حقيقة لوجود صفحة “مِدارية”، لأنها في صحيفة، إلا أنني أقنعت نفسي بذلك بوصفه حلًّا، أمرِّره على نفسي، وهو حلٌّ وإن كان غير منطقي لكنه مناسبٌ بالنسبة إلي. خلال 60 يومًا كنت أتأكد كل يوم أن فهد عافت قلب معادلةً، بقيت صامدةً منذ أن وضع الناشرون والمؤسِّسون قواعد النشر في الصحف. الصفحة الأولى للسياسة، والزاوية في الصفحة الأولى، إن وجدت، زاوية سياسية، وفي المنتصف للثقافة والاقتصاد والفن والرياضة، وفي الصفحة الأخيرة يكتب أصحاب الأقلام “الخفيفة”. التحول الذي أحدثه فهد، هو أنه يكتب في الصفحة الأخيرة زاويةً عميقة بلغة أدبية مدهشة، ويقدم خلالها أفكارًا لا يصل إليها إلا المفكرون، ليجمع من حوله أصناف القرَّاء، وهو ما لم يصل إليه كاتبٌ آخر في الصفحة الأخيرة، بحسب قراءتي المقالات في العديد من الصحف، أو على الأقل لم يحققه إلا ندرة من الكتَّاب في عالمنا العربي. الكتابة في الصفحة الأخيرة وبصورة يومية كتابة متعبة، وتتطلب شبه ثبات في المستوى العالي، وهو ما يفعله الكتَّاب العمالقة، ويعجز عنه مَن هم دون ذلك، ولا يعني هذا أنهم فاقدوا المهارة، بل يعني أن المهمة كبيرة والمسافة طويلة، أما أن يكون هناك كاتبٌ في الصفحة الأخيرة وبشكل يومي، يرسم بالكلمات، ويلقي بالأفكار، ويُقنع بالنتائج، ويعرِّفك بشكل جديد ومختلف على ما اعتقدت بأنك تعرفه وبلغة أدبية عظيمة ورشيقة، فهذه حالة جديدة على ما هو متعارف ومعتاد عليه في تاريخ الصفحة الأخيرة، وهو ما فعله فهد عافت، وما يجب أن نتوقف عنده لنهنئ أنفسنا على وجوده كاتبًا وأديبًا لا يشبهه أحد. وعلى الرغم من أنني لا أحب المفاخرة، إلا أنني و”للاحتياط” أطلب، فيما إذا جاء يومٌ تتفاخر فيه الأقوام البعيدة بأدبائها، أن تقدموا لهم فهد عافت، حينها ستتمتَّعون بمنظر انبهارهم وإعجابهم به.