قد يتسامح معنا الأتراك ولو انهم غالبا ما يستشيطون غيظا لدى احياء ذكرى المجازر الأرمنية التي تشكل ادانة تاريخية للإمبراطورية العثمانية ان استذكرنا ممارسات القتل جوعا للبنانيين في الحرب العالمية الأولى الى حدود إفناء ثلث الشعب اللبناني في مجاعة 1915 على يد جمال باشا. ولا نستذكر المجاعة ولا “سفربرلك” المنفى طوعا وانما قسرا وإجبارا لنا للعودة الى التاريخ السحيق وتجاربه بفعل قدر ولا أسوأ ولا أقسى بل ولا أشرس يرغم معه اللبنانيون على تجرع ما لا يتم استذكاره الا في كتب التاريخ. فاذا بحاضرهم في سنة 2020 يقول بثبات الوقائع ان المجاعة لم تعد إسقاطا تاريخيا ولا تخويفا وتحذيرا وانما صارت واقعا في الجمهورية اللبنانية الحسنة الطالع والسمعة والمتألقة بتحالفات عهد وحكومة يتباهيان بانجازاتهما المدوية المذهلة. ولذا يحق للبنانيين ان يتساءلوا ماذا تنتظر الحكومة لاعلان تتويج منظومة الإنجازات المشتركة مع العهد وداعميه وحلفائه من خلال مواجهتها للمجاعة الصاعدة ككارثة متسعة واحتوائها كما أبهرتنا في إنجازاتها التراكمية الأخرى ؟

الحال بجدية تامة ان حكومة الرئيس حسان دياب تبدو على مشارف التنكر الثاني الكبير بعد سقوط “خطة التعافي المالية” لأسوأ إدارة حكومية ووزارية لكارثة أدت الى نشوء مجاعة ولم تعد احتمالا ولا سيناريو بل تمددت الى انحاء مختلفة من البلد ولا تزال الإدارة الحكومية المبهرة تنكر حصولها. لكان ممكنا مهادنة بقاء الحكومة كأمر قاهر لو التزمت بعض التهيب والتواضع والابتعاد عن الاستفزازات والإثارات السطحية كتلك المواقف والتحركات التي ظن رئيس الحكومة انها ستشكل له مظلة الحماية والحفاظ على حكومته وموقعه من خلال رمي الحكومة بالكامل في خانة التبعية الشاملة لتحالف 8 آذار وتحديدا “حزب الله “. تزامنت الاتجاهات التي أراد رئيس الحكومة ان يرسخها ردا على سقوط حكومته المبين امام الرأي العام الداخلي والدولي باتباعه توجيهات الشعار الطالع من قيادة “حزب الله” أي التوجه نحو الشرق في أسوأ توقيت لخطأ يقدم عليه مسؤول لا يدرك حجم تداعيات استدارات حادة كهذه. لا يقتصر الامر على سذاجة التقدير للأثر الذي سيحدثه رئيس حكومة يعلن جهارا انه بات بالكامل أداة تنفيذية سافرة لـ”حزب الله” بل ان الارتجال المتسرع والمسكون بنزعة الانتقام من المعارضين فضح الحقيقة النائمة لهذه الحكومة ورئيسها منذ تشكيلها على يد داعميها بدءا بالعهد نفسه وهي حقيقة التخطيط لجعلها تنفذ مسار تغيير هوية لبنان السياسية والاقتصادية والمصرفية وحتى الاجتماعية اذا أمكنها ذلك. انفجر لبنان بين ايدي هذه المنظومة ليس امنيا ولا سياسيا بعد وانما اجتماعيا وإنسانيا وهو الانفجار الأخطر اطلاقا. هذه الملهاة الجنونية لحكومة تتحدى بدء تفشي المجاعة وانفجار ظاهرة الانتحار مع وضع اربعة لبنانيين حدا لحياتهم في يومين فقط تعني بكل وضوح ان حكومة حسان دياب انتهت ولو زعمت انها مستمرة الى ما بعد نهاية العهد وهو ما سيكون مستحيلا مهما حصل. لو يقرأون بعض التاريخ فقط ليس من منطق الاستعادات الحرفية لتجارب تتشابه ظروفها وانما من زاوية الدروس التاريخية لآثار المجاعات في العالم فربما يوفرون على انفسهم وعلى اللبنانيين طول المعاناة وفصولها المتسارعة والتي تنذر بحريق لم يعرف لبنان مثيلا له. ولن تكون سلطاتكم اثمن من أرواح المنتحرين!