يدخلها الناس آمنين ويخرجون منها بسلام مطمئنين.. هذه هي مصر منذ قديم الزمان، مصر المُحبة التي لا تعتدي على جيرانها ولا تشن الحروب ولا تفتعل الأزمات، ورغم ذلك تجد نفسها اليوم محاصرة ومهددة من الجهات الأربع من الشرق والغرب والشمال والجنوب بجيران يعادونها ويجرونها إلى حروب لا ترغب فيها.

ففي الشرق لم ينتهِ خطر إسرائيل على مصر حتى بدأت المجموعات الإرهابية عملياتها الدموية ضد الشعب المصري في سيناء وضد الجنود الذين يحمون حدود مصر الشرقية، ودفعت مصر في سبيل الدفاع عن أرضها أرواح العشرات، وربما المئات من أبنائها وما زالت المواجهات مستمرة، ومن الشمال لم يتوقف الجار التركي اللدود غير البعيد جغرافياً عن استهداف مصر على مدى السنوات الأخيرة الماضية، من خلال دعم جماعة الإخوان المسلمين ورعايتهم واحتضانهم في تركيا، وكذلك من خلال تحريض العشرات من المؤسسات والمنصات الإعلامية ضد مصر من خلال الأخبار المفبركة والتقارير السلبية والتحريضية، والعمل على إثارة المشاكل في الداخل وزعزعة الاستقرار فيها لصالح تنظيم الإخوان.

لم يقتصر الاعتداء التركي على الشمال، بل انتقل ليكون الخطر القادم من الغرب، ومن ليبيا تحديداً، بعد أن دخلت وسيطرت القوات المسلحة التركية على مناطق من ليبيا بالتواطؤ مع حكومة الوفاق ومن معهم من ميليشيات الإخوان والمجموعات الإرهابية، وكذلك المرتزقة الذين نقلهم أردوغان من سوريا إلى ليبيا، واليوم طبول الحرب تقرع في ليبيا من أجل استيلاء تركيا على النفط والغاز الليبي من ناحية، ومن ناحية أخرى تهديد مصر وإشعال حدودها الغربية بعد أن دعم نظام أردوغان الإرهاب في الحدود الشرقية، والهدف هو تفخيخ الحدود الغربية بالإرهابيين وإشغال الجيش المصري بجبهة حرب جديدة بقصد زيادة الضغط على الحكومة المصرية من أجل دعم الإخوان وبأوهام إعادتهم إلى كرسي الحكم الذي خسروه بعد انكشافهم أمام الشعب والمصري وانفضاح حقيقتهم.

وشاءت الظروف - وربما الأصابع الخفية - أن يكون الجنوب جزءاً من قلق مصر، فالخلاف المتصاعد بين الجارتين، اللتين لا تشتركان بحدود برية أو بحرية، وإنما ترتبطان بحبل سري مشترك هو نهر النيل، أصبح مصدراً جديداً للقلق لمصر، بسبب بناء إثيوبيا سد النهضة على نهر النيل، ما جعل مصر تضيف تحدياً جديداً لتحدياتها السابقة، وأن تكون الجهة الجنوبية لها جبهة جديدة - وهي الأهم والأخطر - لأنها شريان الحياة لمئة مليون مصري، ولو تغير الحال لحدثت الكارثة، خصوصاً أن أكثر من 90% من أراضي مصر صحراوية ومياه النيل لا يمكن العبث بها.

هذه هي حالة مصر مع جيرانها، صورة تعكس واقعاً مؤلماً، والأسوأ من هذه الصورة الواضحة هي الحقيقة غير الواضحة التي تدل على أن من يقف خلف أزمات مصر من الجهات الأربع هي الأطراف نفسها، وربما للهدف نفسه.

الحقيقة التي يجب أن يتذكرها باقي جيران مصر هي أن واجبهم القومي والعربي والأخلاقي يدعوهم للوقوف إلى جانبها، ليس فقط من أجل مصر وإنما من أجل أنفسهم، فالمستهدف من وراء ضرب مصر، العرب واحداً تلو الآخر، وأضم صوتي إلى صوت معالي د. أنور قرقاش عندما غرد بالأمس قائلاً: «لا يمكن أن يكون عالمنا العربي وعواصمه مشاعاً للتدخل الإقليمي دون حساب أو عقاب، ولا بد لزمن تدخّل الحشود والميليشيات والمرتزقة الأنكشارية أن يولّي، وسيحكم التاريخ بقسوة على من فرّط في سيادته ومن يستقوي بالقوى الإقليمية لهوى حزبي أو متذرعاً بضعف النظام العربي».