نواجه، في العالم العربي على وجه التحديد، تهديداً مكثفاً ومعقداً، واضح المعالم والمصدر في طبيعة الصراعات السياسية، فقد بات الغطاء الديني هو العامل المشترك الذي يغذي الانفجار المتكرر والتطور الشرس للاضطرابات والتحديات السياسية في معظم البلدان العربية.

ففي العراق وكذلك لبنان وسوريا يتجلى تصعيد متعمد ومفتعل من قِبل أحزاب وتيارات سياسية ودول أيضاً، لتمدد انتشار مشروع العنف أو الاقتتال الطائفي Sectarian Violence، وهو ما قاد إلى نزاعات أهلية دموية وأزمات خانقة اقتصادياً وفي شتى الميادين الحيوية الأخرى.

من المعروف أن هذا العنف يقوم على أساس عرقي وديني، نتيجة فشل في بعض الدول وتراجع في البعض الآخر سياج الدولة المدنية، الذي يمكن أن يحمي التعددية والتعايش السلمي في ما بين كافة أطياف وفئات الشعوب والمجتمعات، إلى درجة تورط كثير من النخب الثقافية والسياسية في مثل هذه الأهداف العبثية، وهي حقيقة لا يمكن نكرانها.

لم يأت تفوق لبنان قديماً على العنصرية والطائفية من عبث، بل هو حصاد التنوع الذي تميزت فيه الدولة اللبنانية مدنياً وعلى مدى عقود من الزمن، حيث لعبت التعددية السياسية والدينية في تطور المجتمع كقدوة للشعوب في الشرق الأوسط، من حيث التعايش السلمي بين كافة الأعراق والأديان والعدالة الاجتماعية والحريات والتنوع التجاري والاقتصادي.

بينما تلاشت في لبنان تلك الجوانب المضيئة من تاريخ هذه الدولة، بعد نشوب الحرب الاهلية في منتصف السبعينيات حتى مطلع التسعينيات، وسرعان ما عادت الأنفاس الملغومة بنيران الطائفية البغيضة بغطاء سياسي لبناني من جهة، ودعم خارجي ممثلاً بإيران، بالتعاون مع الحليف الدائم في سوريا ( بشار الأسد) من جهة ثانية.

لا بد هنا من إدراك أنه لولا التحالف بين حزب الله وطهران، لما انطلقت شرارة إذكاء للصراع السني-الشيعي، وهو ما قاد بشكل حتمي إلى صراعات دينية أخرى بدعم تيارات وأحزاب سياسية، وبالتالي الاختطاف الديني للدولة المدنية وقيم التسامح الشعبية.

لا ننسى تحول العراق إلى مسرح لنفس المشاهد والسيناريو لاختطاف الدولة المدنية المنشودة بعد سقوط نظام صدام حسين في العام 2003، فبغداد ما زالت بين فكي الصراع الطائفي والمشروع الخميني الإيراني، بالرغم من كل المساعي على يد تكتلات وقوى سياسية وفكرية عراقية مستقلة، لم تكن طرفاً مستباحاً يوماً لأي لمشروع خارجي وخصوصاً المشاريع ذات الغايات الدينية.

وتركيا، من جهتها، دشنت مشروع اختطاف الزعامة السنية والدينية من خلال نوافذ نزاعات سياسية، ليستفيد منه نظام أردوغان سياسياً داخل تركيا وخارجياً مع الدول والجهات التي تسعى إلى دعم التيارات الإسلامية السياسية على حساب مصالح عربية أساساً وخليجية أيضاً.

منطقة الخليج العربي أو كما هو معروف بدول مجلس التعاون الخليجي، لا يمكن استثناؤها من هذا الوضع المعقد سياسياً ودينياً، فبالإضافة للخلاف الخليجي-الخليجي الحالي، لدينا اختطاف للمجتمع المدني من قبل تيارات سياسية مُسيرة طائفياً من إيران، الجارة المسلمة، وحراك طائفي شيعي موالٍ لطهران، إلى جانب هيمنة ونفوذ جماعة الإسلام السياسي (الأخوان) في بعض الدول.

لكن تستمر الاضطرابات السياسية والأمنية في المنطقة الخليجية بدعم الجارة إيران، ولعل خير مثال التأجيج المتواصل في اليمن للحوثيين والطوائف الشيعية المتطرفة في بعض دول الخليج العربي كما هو الحال في دول أخرى.

قد تجد طهران نفسها عاجزة عن مواصلة التمويل لأدواتها الإعلامية التحريضية، نتيجة الضغوط الاقتصادية الأميركية وما ترتب عن ذلك من أزمة اقتصادية قاسية على إمبراطورية النفوذ الإيراني الإعلامي، لكن بتقديري أن إيران لم تعد بحاجة ضرورية كما كان عليه الوضع من سنوات، للنوافذ الإعلامية الخارجية، فقد توغل مشروع الاختطاف الطائفي الإيراني في مفاصل العديد من الدول والأحزاب والتيارات الفكرية والسياسية، ولم يعد المشروع الإعلامي بحاجة للتمويل الإيراني، ولكن تظل الحاجة قائمة إلى إيجاد البدائل لمواصلة الدعم العسكري للمشروع الخميني من خلال منصات ومظلات مالية أخرى.