تذكر إحدى القصص أنّ فناناً مبدعاً رسم لوحة جميلة، وحرصاً منه على معرفة آراء الناس المتذوقين للفن، ورغبةً في تحسين اللوحة النهائية، فقد وضعها في مكان عام وكتب فوقها العبارة التالية: «من رأى خللاً ولو بسيطاً فليضع إشارة حمراء فوقه»، ثم انصرف.

عندما عاد في المساء، وجدها مشوهة تماماً بإشارات حمراء كثيرة تدل على خلل هنا وهنا، كان شعوره بالإحباط كبيراً، وعاد مكسوراً لـمُعلِّمه، وأخبره بأنه سيترك الرسم الذي يبدو أنه غير موهوب فيه، ولكن معلمه طلب منه أن يرسم له ذات اللوحة من جديد ويأتيه بها في الصباح، وعندما جاءه بها ذهبا لنفس المكان العام، ووضع اللوحة وكتب المعلِّم بجانبها: «من رأى خللاً فليمسك القلم والفرشاة وليصلحه»، وترك بجانبها ألواناً وقلماً وفرشاة تلوين، ثم رحلا، وعندما عادا معاً في المساء، كانت اللوحة كما تركاها من دون أنْ يمسّها أحد إطلاقاً!

هذه من قواعد الحياة الأساسية، أنّ المتفلسفين والمشوِّشين كُثُر، ولكنّ القادرين على خلق الفارق أندر من الكبريت الأحمر، والعاجز لا يهنأ باله بظهور المجتهد، والكسول لا يرتاح لتألق النَشِط، والفاشل لا يُنغِّص عليه معيشته سوى أن يرى ناجحاً تشرئب له الأعناق وتصفّق له الأكف!

المهم هنا ألا يتوقف الناجح للتبرير، ولا النشط لتوضيح الحجّة، ولا الناجح لكي يُقنع فاشلاً بجدوى النجاح، فهذه أشبه بالرمال المتحركة، التي فضلاً عن كونها عقبة للتقدّم، فإنها تُغْرِقك في دوامتها كلما تحركت معها أكثر، والأسوأ من ذلك، من يستشيط غضباً و«يطلّع حرّته» وينفس عن غيظه بالردود على كتائب المثبطين التي لا تنتهي، هذه معارك صغيرة لا تليق بالكبار، بل حتى الانتصار فيها إهانة للنفس، والحل الأنسب قوله تعالى: «خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ».

أتفهّم أنْ يختلف معك شخص لأجل موقف سياسي، أنْ يُعارضك شخص لأجل عقيدة دينية، أنْ يمتعض منك شخص لأنك تمدح فلاناً أو تنتقد فلاناً، ولكن ما لا أستطيع أن أفهمه، كيف يخرج غضب البعض من عقاله نكالاً في بارقة أمل لأجل غدٍ أفضل، ولا تكاد تعلم على ماذا تغذّت أرواح البعض وأنت تراهم يجتهدون في الإساءة لإخوةٍ لهم، وأن يسعوا للتنغيص على فرحتهم بإنجاز يعزّ وجوده في بلاد العرب في هذه الأزمنة البائسة!

المحزن في الموضوع أن حساب اليابان العربي غرّد مستغرباً من كميّة الردود المسيئة تجاه إطلاق «مسبار الأمل» الإماراتي من حسابات عربية للأسف، وتعب القائمون على الحساب من محاولة إفهام البعض «الناقم» أنّ الصاروخ الياباني شيء والمسبار الإماراتي شيء آخر، وملّوا من تكذيبهم لمشاركة 150 باحثاً وعالماً ومهندساً إماراتياً مع 200 آخرين من المختصين العالميين بمراكز دولية شريكة، ولم يستوعبوا كيف أنّ عربياً لا يفرح بكون دولة عربية أصبحت ضمن 9 دول فقط عالمياً تعمل على استكشاف الفضاء!

لمن صدّعنا بقضية الشراء بالمال، فليعلم أن حكومة الإمارات كان شرطها الأول رفض شراء المسبار «جاهزاً»، بل كان الشرط بناءه من الصفر بمشاركة أبناء البلد الموهوبين لنقل المعرفة، وهو ما تم بين مختبرات جامعة كولورادو ومركز محمد بن راشد للفضاء، الأمر الذي دعا بريت لاندين، كبير مهندسي النُظم في مختبر جامعة كولورادو، للإعراب عن إعجابه بتميز شباب الإمارات بقوله: «المهندسون الإماراتيون عرفوا الآن كيف تسير الأمور، وسيقومون بالمهمة وحدهم في المرة المقبلة».

الجميل في «مسبار الأمل» أيضاً، أنّ الإمارات رفضت مرة ثانية تكرار إنجازات الآخرين من اكتشافات على الكوكب الأحمر، وعقدوا اجتماعات كثيرة مع NASA لتحديد مهام جديدة تُشكّل إضافة علمية للبشرية، وهو ما أشار إليه السير إيان بلاتشفورد، مدير مجموعة متحف العلوم البريطاني بقوله: «إنّ كثيراً من البعثات الفضائية ركزت على الجانب الجيولوجي، ولكن هذه البعثة سوف توفر لنا صورة كلية شاملة عن مناخ المريخ».

أحبتي العرب، لا تقتلعوا أساس بيوتكم الجديدة بدعوى أن من صنع آلة الطابوق أجنبي، فهي ستظلّكم أنتم حتى تقدروا على أن تصنعوا تلك الآلة بأنفسكم، ولا تقتلعوا شتلات حقولكم بدعوى جلبها من بلد أجنبي، فهي ستسد رمقكم أنتم وأبناؤكم حتى تستطيعوا أن تُنتجوا تلك البذور لقادم سنوات الحصاد، ولا تطفئوا شموعكم بحجة أن من عبأها طرف أجنبي، فهي ستنير ليلكم المظلم بدل أن تلعنوه، قد جرّبنا اللعن طويلاً، فلم يصنع لنا شمعاً ولم يُنِر لنا ليلاً، هذه لوحتنا ومَن كان يملك معرفة أكثر فها هي الفرشاة والقلم و«ورّينا شطارتك»!