ظلمت الجغرافيا نيبال، الصغيرة مساحة والقليلة سكانًا وموارد، يوم أن وضعتها بين فكي العملاقين الهندي والصيني وحرمتها من الموانئ البحرية. وظلمتها السياسة يوم أن حولتها من مملكة محايدة هادئة إلى جمهورية يديرها حزب شيوعي دموي في عصر هــُزمت فيه الشيوعية ولم يبقَ منها سوى أطلال ويافطات وأعلام حمراء مرفوعة في ثلاث دول فحسب.

في زمن الملكية الدستورية عمل الملك مع السلطتين التنفيذية والتشريعية على عدم إقحام البلاد في الصراع الهندي ــ الصيني أو أي صراع ذات صلة بجارتيها الكبيرتين. لكن هذا انتهى عام 2008 بسقوط الملكية التي حافظت على عرشها لمدة 239 سنة، وقيام نظام جمهوري لم يتمكن من تحقيق أي شيء يُعتد به، لا على صعيد الاستقرار السياسي، ولا على صعيد الازدهار الاقتصادي والارتقاء بمستويات المعيشة المتدنية.

واليوم، يبدو جليًا أن حكومة نيبال الشيوعية التي يترأسها «كيه. بي. شارما أولي» عازمة على الدخول في مواجهة مع الهند. فالزعيم النيبالي لم يكتف باتهام الأخيرة بالتسبب في انتشار فيروس كورونا المستجد في بلاده من خلال الوافدين الهنود إلى نيبال عبر القنوات غير الشرعية، ولم يكتف خلال الانتخابات التي أوصلته إلى السلطة عام 2018 بدغدغة عواطف الناخبين من خلال إثارة النزعة القومية والترويج للخطاب الشعبوي المتحامل على الهنود، وإنما فوق هذا وذاك قام مؤخرًا برسم خارطة جديدة لبلاده تضم ثلاث مناطق حدودية متنازع عليها مع الهند، وهي مناطق ليبوليك وكالباني وليمبيادورا الواقعة في مرتفعات الهملايا.

المثير أن هذه الخطوة النيبالية جاءت في وقت يحتدم فيه النزاع بين بكين ونيودلهي، ولكأنما أرادت كاتمندو بهذا العمل أن تغيظ الهند من جهة وتسجل نقطة لصالحها لدى جارتها الصينية من جهة أخرى. وسواء أكانت الخطوة بوحي خارجي، أو كانت من بنات أفكار السيد «شارما أولي»، وسواء أكان الغرض منها حصد تأييد شعبي أقوى لشخصه ضمن النيباليين من ذوي التوجهات القومية المتطرفة أوكان بهدف تعزيز موقعه داخل الحزب الشيوعي الحاكم، حيث الفصائل المنقسمة على بعضها البعض والاستقطابات والخلافات، فإن الثابت والمؤكد هو وجود انعطافة سياسية نيبالية حادة باتجاه الجار الصيني العملاق، على حساب الجار الهندي.

صحيح أن الصين، باقتصادها الضخم وامكانياتها الهائلة، قدمت لنيبال الفقيرة ما لم تستطع الهند تقديمه من مساعدات وهبات واستثمارات نوعية، بدليل أن الاستثمارات الصينية المباشرة في نيبال في العام الماضي شكلت أكثر من 90 بالمئة من إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة في البلاد، ثم بدليل قيام بكين بالمشاركة في إقامة عدد من المشاريع الحيوية مثل مصانع الإسمنت وبناء المطارات وغيرها، لكن الصحيح أيضا هو أن الاستقواء بجار ضد جار آخر له انعكاسات وتداعيات خطيرة قد لا تتحملها دولة صغيرة مثل نيبال، خصوصًا وأنها بلاد لا تطل على البحار وبالتالي فإن معظم وارداتها وصادراتها يعتمد حتى الآن على موانئ هندية (وإن لوحظ في العام الماضي ظهور توجه نيبالي لاستخدام موانئ صينية للتجارة مع دولة ثالثة، هذا التوجه الذي تعزز بتوقيع الحكومتين الصينية والنيبالية برتوكولاً أوليًّا للنقل العابر في مارس 2019).

إن مشكلة نيبال الأخرى أنها لم تعد ضحية للصراع الهندي ــ الصيني فحسب، وإنما صارت أيضا ضحية للعدّاء الهندي ــ الباكستاني المزمن. إذ بات واضحا في الفترة الأخيرة أن إسلام آباد تؤيد بقوة توجهات حكومة «شارما أولي» الخاصة بمواقفها تجاه نيودلهي من منطلق مبدأ «عدو عدوي صديقي»، بل تعدى ذلك إلى قيام رئيس الوزراء عمران خان بتقديم الدعم الشخصي لنظيره النيبالي الذي بات يعاني من العزلة والتمرد داخل حزبه الشيوعي، منذ أن اتهم بعض رفاقه الحزبيين بالتواطؤ والتآمر مع الهند لإسقاطه، وهي اتهامات جعلت بعض منافسيه داخل أروقة الحزب الشيوعي الحاكم يفتحون النار عليه علنا ويطالبونه بالتخلي عن منصبي رئيس الحكومة وزعيم الحزب أو على الأقل أحدهما.

أما في أسباب الخطوة الباكستانية تجاه نيبال وزعيمها، فمن الواضح أنها في سياق موضوع اتهام إسلام آباد لنيودلهي بالوقوف خلف حادثة الهجوم المسلح على بورصة كراتشي في التاسع والعشرين من يونيو المنصرم، والذي تبنته جماعة انفصالية تطلق على نفسها «جيش تحرير بلوشستان».