كما هو معروف، فإن التخطيط الحضري في الماضي ركز على ضمان سهولة حركة السيارات دون اعتبار يذكر للمشاة أو الدراجات الهوائية أو تخصيص المساحات الخضراء، وقد يكون تسارع التنمية، وما واكبها من نمو سكاني سريع وتوسع عمراني كبير، أدى إلى الانشغال بقضايا التخطيط الحضري الأخرى، بعيدا عن الاهتمام بالمساحات الخضراء وانتقاء الأشجار المناسبة للبيئات الجافة خصوصا أو قضايا الاستدامة عموما.
لذلك جاء مشروع "الرياض الخضراء" ليحقق أحلام كثيرين في العيش في بيئة حضرية خضراء في مدينة يقطنها أكثر من خمس سكان المملكة. والمشروع هو أحد المشاريع النوعية الأربعة الكبرى، التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، حفظه الله، في 12 رجب 1440هـ بتكلفة 86 مليار ريال، وتشمل مشروع حديقة الملك سلمان، ومشروع الرياض الخضراء، ومشروع المسار الرياضي، ومشروع الرياض آرت. ويحقق مشروع الرياض الخضراء أهداف رؤية المملكة 2030، وهي تحسين جودة الحياة، من خلال تخفيف درجة الحرارة، وتحسين جودة الهواء من خلال الحد من التلوث، والاستغلال الأمثل للمياه المعالجة في أعمال الري، علاوة على توفير الطاقة المستخدمة في التكييف، ومن ثم رفع تصنيف مدينة الرياض بين نظيراتها من مدن العالم. ويهدف المشروع إلى زراعة 7.5 مليون شجرة على مساحة تصل إلى 541 كم2، وذلك بواقع شجرة لكل فرد من سكان مدينة الرياض. وبعد إنجاز المشروع سيرتفع نصيب الفرد من 1.7 إلى 28 مترا مربعا من المساحات الخضراء. وعمل القائمون على المشروع على اختيار 72 نوعا من الأشجار المحلية المقاومة للجفاف مثل السدر والزيتون، كما نلاحظ زراعتها في أنحاء المدينة، على الرغم من أن موقع المشروع على شبكة الإنترنت لم يوضح هذه الأنواع أو الدراسات، التي اعتمد عليها.
وبعد التقدير والثناء على هذا المشروع الرائع، أقترح أن تتضافر الجهود لتحقيق هذا الحلم، الذي يعود بالنفع للجميع، وذلك من خلال أولا، إسهام كل شركة بتشجير الشوارع المحيطة بمقرها، إضافة إلى دعم تشجير الحي، الذي تقع فيه أو جزء منه، من منطلق المسؤولية الاجتماعية تجاه المجتمع المحلي. ثانيا، إفادة أمانات وبلديات المدن الأخرى من تجربة مدينة الرياض، بعد تقييمها، للاستفادة من طرق الري المستخدمة وأنواع الأشجار المختارة، تجنبا لتطبيق مبدأ "إعادة اختراع العجلة"، لذلك آمل أن يعمل القائمون على المشروع بإثراء محتوى موقع المشروع على شبكة الإنترنت بنتائج الدراسات، التي اعتمد عليها المشروع. ثالثا، أتمنى أن يكون اختيار الأشجار مدروسا بعناية فائقة، لكيلا تتكرر تجارب التشجير الفاشلة، التي تبنتها بعض الجهات الحكومية، مع الاهتمام بزراعة الأشجار المثمرة في الحدائق، لتكون ملجأ للطيور ومصدرا لغذائها. رابعا، تشجيع أصحاب المنازل بإعادة استخدام المياه "الرمادية" في ري الحدائق بعد معالجة خفيفة، بدلا من تحويلها لشبكة الصرف الصحي مباشرة. خامسا، ينبغي أن تبادر الجامعات بقيادة هذه الجهود من حيث الدراسات الخاصة بالأشجار، إذ لا يبدو لها دور يذكر في هذه الجهود العظيمة، التي تنعكس على جودة حياة سكان المناطق الحضرية. سادسا، أتمنى أن تتبنى مدينة الرياض مبدأ "الاستدامة" sustainability في كل مشاريعها الحضرية، فهو الطريق لتحقيق استدامة التنمية ورفع مستوى جودة الحياة.
وأخيرا، ينبغي توثيق مشروع الرياض الخضراء، واستخلاص بعض الدروس للاستفادة منها عند التوسع في تطبيق المشروع في مدن أخرى، وخير ختام لهذه المقالة أن أقدم تهنئتين للشعب السعودي: الأولى، بعيد الأضحى المبارك، والثانية، بسلامة ملك الحزم والعزم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان- يحفظه الله.