ذات بعد ظهيرة، وأنا أقود سيارتي لمشوار ما، عبرت الدوار وفوجئت بسيارة صغيرة يقودها مقيم هندي تصدم سيارتي من جهة اليمين، كان الهندي شاباً لطيفاً ضئيل البنية دائم الابتسامة، أراد الدوران من الوسط إلى يسار الدوار، وكنت في اليسار وأردت التوجه إلى الأمام، اطمأننت عليه بلطف أولاً، ثم أخبرته بابتسامة وهدوء أنه المخطئ، وحاول النقاش، فرددت عليه باللهجة المحببة لنا في مخاطبة الهنود: (رفيق) أنت ما يعرف قانون؟! أنت غلطان.. فابتسم راضياً.

أشفقت عليه كثيراً من الحادث، فالسيارة تخص شركة توصيل طلبات الطعام التي يعمل بها، وكان ينبغي أن نتوجه لمركز شرطة لتسجيل الحادث من أجل إجراءات التصليح، أخبرته بأنني سأنتظره لأيّ وقت فراغ من عمله، حتى لو كان يوم الغد.

أجرى اتصالاته وقال لي: إن الوقت مناسب، وأنه أجّل أعماله.

وصلت قبله إلى مركز الشرطة، كانت هناك مجموعة من رجال ونساء الأمن في القسم المعني بالحوادث، استقبلوني وأخبرتهم بأن الحادث بسيط، وأنني والطرف الثاني متفقان بأنه هو المخطئ.

حين وصل الهندي (اللطيف) وجلسنا أمام شرطي المرور، سألني أولاً عن تفاصيل الحادث، وصفت له ما حدث وأخذ يرسم شكل الدوار الذي وقع فيه الحادث، شدد كثيراً في معرفة الاتجاهات، بدا لي الشرطي مملاً، وربما ثقيل الفهم.

وحين بدأ بسؤال زميلي الهندي اعترف مباشرة بأنه المخطئ، فنهره الشرطي، وقال له: هذا ليس من اختصاصك، أجب عن الأسئلة فقط.

كان وصف الهندي مضطرباً، حاولت التدخل لإنهاء الجلسة الطويلة لكن رجل الأمن طلب مني الصمت بأسلوب لا يخلو من فظاظة مبطنة، نظرت إليه بتململ وسكت.

حين انتهى الهندي من الشرح، قال لي الشرطي بشبه ازدراء: أنت المخطئة وليس هو. صعقت وأخبرته بأن القانون (...). فقال لي ليس في هذا النوع من الدوارات، ثم خاطب الهندي وهو ينهره: وأنت (رفيق) لماذا قلت بأنك غلطان.. فأشار إليّ.

لكن الشرطي لم يلتفت لي، وقال للهندي بحدة: هنا بلد قانون (ما في خوف!!!). شعرت بأن الشرطي يتَّهمني بأني أرهبت الهندي.

فقلت له: أنا غلطانة لم أكن أعلم بتفاصيل القانون.

فقال لي: تعلمي القانون للمرة المقبلة.

أثناء خروجنا قلت للهندي (رفيق) أنا لم أكن فعلاً أعلم بالقانون، أنا آسفة، ابتسم وهز رأسه وحرك يديه ملوحاً أن لا عليك، وانطلق سعيداً برشاقة كقط خفيف يعبر الطريق، وبقيت أنا متأثرة من سوء ظن الشرطي فيّ.