من الطبيعي أن تحجب الكارثة التي أصابت لبنان أمس كل ما عداها من أحداث على أهميتها.

أضاف الانفجار غير المسبوق الذي أصاب العاصمة وضواحيها، واهتزت له المناطق البعيدة في الجبال والساحل نكبة جديدة للبنانيين الذين يعيشون يوماً بيوم، وهم يبحثون عن قوتهم ويتجنبون كورونا ويسعون إلى معرفة مصير بلدهم المهدد اقتصادياً ومالياً بأسوأ أزمة يمر بها في تاريخه.

أن تصل ارتدادات الانفجار إلى قبرص يعني أن ما حصل يتخطى الزلزال والتسونامي في مفاعيله على الحجر والبشر وعلى الحياة اليومية للبنانيين.

فيما كان لبنان يبحث عن مساعدة الخارج له في تخطي الأزمة الاقتصادية الخانقة وحالة الإفقار والعوز اللتين سقط فيهما لبنان، والدول تشترط عليه الإصلاحات ووقف الهدر والسرقة والنهب لأموال الدولة، بات اليوم يحتاج إلى عملية إنقاذية وإغاثية إنسانية إستثنائية تتخطى حالته السياسية الاقتصادية الراهنة. باتت إعادة بناء مستودعات مرفأ بيروت وأبنيته تتطلب مد يد العون إليه لإبقائه قادراً على مواصلة التعايش مع أزماته الأخرى.

الأرجح أن الكارثة الزلزالية التي وقعت ستطغى على استحقاقات كثيرة تنتظر البلد، كان ينتظر أن تشغله.

هل بات لبنان يحتاج إلى إدارة خارجية ودولية لأوضاعه المتداعية بعدما جرى تفريغه من مقومات إدارة نفسه بنفسه، وبعدما أضاعت إدارته الداخلية البوصلة، والفرص السابقة التي لو جرى تلقفها والتعامل معها بتجرد ومنطق الدولة بدل الفئوية والزبائنية والسلطوية؟

لا يمكن الوثوق بالإدارة الرسمية للأزمات اللبنانية بعد الآن. فكارثة الأمس، حتى لو كان من هم في السلطة اليوم ليسوا مسؤولين عنها، أكبر في آثارها البعيدة المدى من قدرة السلطة على التعاطي معها بالتأكيد.

آخر الأمثلة البسيطة هي الطريقة التي عومل بها وزير الخارجية المستقيل ناصيف حتي بعد قراره الخروج من المركب الذي تقوده عقلية مدعية بالمعرفة، وقاصرة، تعذر تصويبها خلال أشهر. صحيح أن هذه الطريقة جاءت لمصلحته، بدلاً من محاولة تسخيف أسباب استقالته والقفز فوقها بتعيين سريع للبديل منه، من دون عناء أي مناقشة لخلفيات قراره.

على رغم تردده وتأخره في خطوته، وعلى رغم مراهنته على أن يتوج مسيرته الديبلوماسية بالإفادة من رصيده الديبلوماسي العربي والدولي، لاجتذاب الدعم لمعالجة الأزمة الخانقة التي يمر فيها البلد، فإن تمنياته تحولت إلى كابوس وتبين أنها مراهنة خاطئة. فهو استنفد الوقت المتاح الذي صرفه على مسايرة رجال العهد، مع إدراكه أن رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل يقف وراء تأخير إصلاح قطاع الكهرباء، على رغم أنه لا يفصح عن ذلك. يدرك، حتى لو أحجم عن التوضيح، مدى استناد رئيس الحكومة حسان دياب إلى ذهنية التفرد، وإلى عقلية رجال العهد، في الاستهزاء بمواقف الدول المؤثرة واشتراطها الإصلاحات والنأي بالنفس قبل الدعم المالي. سمع مباشرة من نظراء عرب وأوروبيين في لقاءاته القليلة معهم، أن توجيه السياسة الخارجية لخدمة انغماس "حزب الله" في صراعات المنطقة، يزيد من عزل لبنان عن محيطه وعن الدول المعنية بمساعدته. لمس في شكل يومي، كيف يسعى باسيل في الخارجية إلى الإطباق على مفاصلها، لا سيما في التشكيلات الديبلوماسية الآتية، لزرع من يريد وحرمان الوزير من اعتماد معايير مهنية لا الولاء.