تحتد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في تونس، بالتَّزامن مع ارتفاع منسوب الردح السياسي حول الغنيمة المرتجاة من الحكومة المقبلة، قيد التشكيل، التي يرعى مشاوراتها المكلف الجديد هشام المشيشي.

وفي البون الشاسع بين احتداد الأزمة وبين رفع الأحزاب السياسية لسقف شروطها، تلوح ملاحظتان أساسيتان، الأولى: أن حركة النهضة عادت لاستعراض عليائها القائم على أن محصولها الانتخابي يخول لها أن تكون جديرة بتمثيل حكومي يليق بما حصلته من أصوات.

ومنذ سقوط لائحة سحب التصويت على سحب الثقة من راشد الغنوشي يوم 30 يوليو الماضي، عادت النهضة إلى العزف على وتر «انتصارها» محاولة نقل مفاعيل الصراع البرلماني إلى ميادين تشكيل الحكومة.

الملاحظة الثانية: تتمثل في ارتفاع أصوات متعددة أصبحت تجاهر برفض النهضة، حزباً وأفكاراً ومرجعيات. التقت في هذه المواقف، أحزاب الحزب الدستوري الحر وحركة الشعب والتيار الديمقراطي، والاتحاد العام التونسي للشغل الذي التحق بقائمة المجاهرين برفض أفكار النهضة والتنديد بأخونتها للبلاد.

وفي عمق الأزمة التونسية عادت النهضة إلى التهديد باستحالة تشكيل «حكومة بلا نهضة»، استناداً إلى أنها الحزب الأول في نتائج الانتخابات التشريعية لعام 2019.. هنا واظبت النهضة على ترديد لازمة الشرعية الانتخابية ومقولة الحزب الأول، دون أي اعتبار للواقع الاقتصادي والاجتماعي السائر نحو مزيد من التفاقم.

أدارت الحركة ظهرها لحقيقة أنها كانت مشاركة بفعالية في كل الحكومات التي تعاقبت على حكم البلاد منذ عام 2011، دون تحقيق أي تقدم على أي صعيد، بل حتى دون التواضع والاعتراف بالفشل في تحقيق نزر يسير من وعودها الانتخابية.

هنا كانت الأحزاب الرافضة لوجود النهضة في الحكومة محقة في المطالبة، من منطلقات مختلفة، بالانطلاق في تجربة حكومية جديدة بلا نهضة، تبعاً لأن الحركة الإسلامية أصبحت تمثل عائقاً أمام كل إرادة للإصلاح، وحجر عثرة أمام أي رغبة في تغيير طريقة حكم البلاد.

حكومة بلا نهضة ليست مجرد شعار سياسي إقصائي كما تصفه النهضة، أو خائن لنتائج الصندوق كما يُقيّمه ائتلاف الكرامة، بل هو مسار سياسي جديد يحق للتونسيين تدشينه، بعيداً عن عقلية التمكين والغنيمة والابتزاز السياسي وتوظيف مؤسسات الدولة لخدمة مصالح الحركة وأتباعها ومن يدور في فلكها.

«حكومة بلا نهضة» هي ضرورة مُلِحَّة يفرضها تضافر الأوضاع الاقتصادية مع غياب البرامج القادرة على إخراج البلاد من أزمتها، وعلى ذلك يحق للأحزاب والمنظمات التونسية أن تطالب بحكومة تحمل نظرة للمستقبل، بدل حكومات إطفاء الحرائق وتسويق التبريرات التي أدمنت النهضة على تشكيلها.