دانت مصر القديمة بدينٍ وثني رسخ في كل أرجاء الدولة، فكان الملوك والعامة يعبدون آلهة متعددة، لكن حصل شيء غريب عام 1353 قبل الميلاد، فقد اعتلى عرش مصر فرعون اسمه «أخناتون»، فألغى الوثنية ونادى بعبادة إله واحد.

فترة غامضة لا تزال تحير المؤرخين وعلماء الآثار، فلم يعهد الناس آنذاك إلا الدين الذي توارثوه ورأوا عليه فراعنتهم، لكن انكسرت هذه السلسلة التاريخية بقدوم أخناتون، فدعا إلى عبادة إله واحد، وصفات هذا الإله متشابهة مع صفات الله تعالى إلى درجة عالية، وتأمل هذا الدعاء التالي الذي أمر به أخناتون وهو يخاطب الإله الواحد: «كم كثرت أعمالك والخافي منها، إنك الإله الواحد، لا مثيل له. خلقت الأرض برغبتك منفرداً، فيها الناس والأنعام وكل الحيوانات، وبكل ما على الأرض، وما يسير على أرجله وكل ما يطير بجناحيه في السماء. البلدان الغريبة في سورية والنوبة وكذلك أرض مصر، كل تعطيه مكانه وتؤمن احتياجاته، الكل يحصل على غذائه، وتقدر قدر عمره. يتكلمون بألسنة مختلفة، وتختلف ملامحهم، وتختلف ألوانهم، فإنك تخلق الشعوب. وتحفظ حياة الناس لأنك أنت خالقهم. وإنك لهم، ترعاهم أنت أيها الملك على كل البلدان». هل كان أخناتون متأثراً بدعوة الأنبياء السابقين؟

مكث أخناتون ملكاً 21 سنة، لكن ما إن توفي حتى أتى ابن له حكم فترة قصيرة وتوفي، وبعده تولى المُلك ابنه الآخر وهو الفرعون الشهير توت عنخ أمون والذي تبرأ ليس فقط من دين أبيه بل من أبيه نفسه، فأزالوا تماثيله ونقوشه وآثاره وحاربوا ذِكره بشراسة، بل محوا اسمه تماماً لدرجة أنه لثلاثة آلاف سنة ضاع أخناتون في ثنايا التاريخ، حتى ظهرت آثاره لما كان المنقبون يعملون عام 1907م في موقع اسمه العمارنة، وخرج الفرعون الغامض من جديد بهذا اللغز الكبير الذي لا نزال نحاول فك طلاسمه.