في ديسمبر 1952، سافر الصحافي المصري محمد حسنين هيكل، إلى الولايات المتحدة، لمتابعة الانتخابات الرئاسية الأميركية الأولى التي تجرى بعد استيلاء “الضباط الأحرار” على الحكم في مصر وإطاحة الملكية. وكما في رحلات الصحافيين في العادة، تطرأ تفصيلات وتتفرع لقاءات عن لقاءات؛ فقد أتيح لهيكل أن يلتقي بألبرت أينشتاين، عالم الطبيعيات الألماني اليهودي الأشهر، وصاحب نظرية النسبية، التي فتحت آفاق الكون أمام عقل الإنسان. فقد طرأت فكرة اللقاء، بحكم زيارة مقررة لأستاذ في جامعة برنستون الأميركية، ووقتها كان اسم أينشتاين فيها أكبر الأسماء، فنصح آخرون هيكل، بلقاء العالم الموصوف بـ”أعظم الأحياء في عصره”!

طلب منظمو الرحلة الموعد، ولم يكن جدول أينشتاين يسمح له بلقاء هيكل سوى أثناء ممارسته رياضة المشي اليومية في الغابة القريبة من منزله، على أن يكون الوقت بين الربع الساعة ونصفها، حسب مزاج أينشتاين، الذي يكون قد تلقى موجزاً عن الصحافي الضيف!

بدأ اللقاء وقوفاً في صالون منزل أينشتاين، قبل الانطلاق إلى مشوار الرياضة. وفوجئ هيكل بأن صاحب البيت قرأ عنه وعن علاقته ببعض “الضباط الأحرار”. فقد بدأ العالم الكبير بسؤال هيكل “هل تعرف ما الذي ينوون عمله بأهلي؟”، ثم أضاف “أهلي من اليهود.. هؤلاء الذين يعيشون في إسرائيل”.

باختصار دار الحديث وأفضى أينشتاين بما في جعبته بصراحة “اهتمامي باليهود إنساني، وكذلك اهتمامي بإسرائيل. لكنني لا أريدهم بدورهم أن يضطهدوا أحداً. فعرب فلسطين لهم حق في الوطن الوحيد الذي عرفوه، ولا يستطيع أحد أن ينكره عليهم. لقد أحزنتني المأساة التي تعرضوا لها، وكان في ظني أن القوى الدولية المعنية، تستطيع معالجة هذه المحنة، لكن هذه القوى لم تستطع، ولعلها أرادت – لمصالحها – تعميق المشكلة بدلاً من محاولة حلها”!

هذا الكلام قاله أينشتاين، الذي لا يزاود عليه أحد في محبة أهله اليهود. فقد تحدث الرجل عن حق الفلسطينيين في أراضي 48، قبل احتلال الضفة وغزة والجولان في العام 1967. وفي ذلك اللقاء، قال العالم اليهودي عن مناحيم بيغن نفسه الذي كان أول من دعا إلى ضم أراضي 67 “لقد شاركت في توقيع الرسالة التي بعثنا بها، كنخبة من العلماء اليهود، إلى رئيس تحرير جريدة نيويورك تايمز” احتجاجاً على زيارة بيغن زعيم “الليكود” إلى الولايات المتحدة في ديسمبر 1948. وصفناه في الرسالة بأنه سفاح وإرهابي ولا يصح أن يُسمح له بزيارة أميركا، وقد اعتذرت عن استقباله في بيتي، إدراكاً مني بأن لا درس يمكن أن يُجدي مع أمثال هؤلاء الذين يؤمنون بلغة العنف والقوة، وليس بمقدور أحد أن يشفيهم!