ليس في لبنان إصلاح جذري بل مسار تتكرر فيه ثنائية: تهديم وترميم. فلا انفجار المرفأ صاعقة في سماء صافية، ولا ردود الفعل عليه هنا وفي الخارج مجرد تعاطف انساني مع الضحايا واستهوال للكارثة. والسؤال، وسط المواجهة الظاهرة بين دعاة التغيير وبين المتمسكين ببقاء "الستاتيكو" هو كالعادة: لبنان الى اين؟ وهل هناك خطأ في قراءة المواقف المعلنة ام خطأ في تقدير المرحلة ودينامو الاحداث لدى اصحاب المواقف؟

ما سمعناه من فرنسا واميركا وسواهما من المستعدين لمساعدتنا هو ان هذه هي نافذة الفرصة الأخيرة وان الموالين والمعارضين امام الامتحان الأخير: إما الاصلاح الجدي الذي يفتح الطريق واسعاً للمساعدات المالية وإما الهرب من الاصلاح، وبالتالي إغلاق النافذة المفتوحة والاكتفاء بالمساعدات الانسانية. وما قرأناه في "النيويورك تايمس" هو التساؤل ان كانت هذه "نقطة تحول" في لبنان المحتاج الى "طرق جديدة في الحكم". وعلى طريقة الشعار الماركسي: "يا عمّال العالم اتحدوا، فلن تخسروا سوى قيودكم". تقول الصحيفة الاميركية: "إن لم يبق شيء ليسرقه الزعماء ولا شيء ليخسره الشعب، فان التغيير يحدث الآن او لن يحدث ابداً".

لكن ما نراه امامنا هو الخوف. خوف دعاة التغيير من تضييع الفرصة والفشل في انقاذ لبنان. وخوف المتمسكين بالستاتيكو من خسارة ما في ايديهم من مكاسب. فريق يراهن على قوة الازمة والصحوة الشعبية لفرض التغيير. وآخر يحمي الستاتيكو بقوة السلاح وسلطة المواقع الرسمية.

ولا مجال للخطأ في قراءة الكلام على "مؤامرة" محلية-خارجية لإسقاط المجلس النيابي والعهد. كيف؟ بالدعوة الى انتخابات مبكرة تضعف الاكثرية الحالية للعهد والثنائي الشيعي، مع ان مثل هذه الدعوات مسألة عادية في اللعبة الديموقراطية. فالأولوية لدى الخائفين من الانتخابات هي للحفاظ على "الغلبة" الحالية. والتهديد واضح في خطاب السيد حسن نصرالله الذي اعتبر ان سلاحه "مسألة أو شرط وجود"، ودعا البيئة الحاضنة لمشروعه الى المحافظة على "غضبها" لانه سيحتاج اليه. في ماذا؟ في قلب الطاولة طبعاً إذا صار لا بد من الامساك بالسلطة كلها رسمياً ضمن مراحل المشروع الاقليمي الايراني.

لكن الحفاظ على الستاتيكو بقوة السلاح ليس بوليصة ضمان ضد سقوط المسرح تحت الجميع في بلد وصل الى مراحل متقدمة من الانهيار المالي والاقتصادي والسياسي. والمشروع الايراني الذي يواجه العرب والغرب في مأزق، وان قال اصحابه انه على طريق "النصر الالهي". وما يحتاج اليه لبنان ابسط من ذلك بكثير وأسهل، حيث من الظلم ان يحمل فوق اثقاله، اثقال الشرق الاوسط.