- أظنها واحدة من أخطاء التربية، تلك الجملة التي يقولها كثير من الناس لأولادهم: “لا تعمل كذا.. إيش راح يقولون عنك الناس؟!”.
- مثل هذا الزجر، يتمدّد في ذهن الطفل، الذي ما إن يكبر على مثل هذه النصيحة الزاجرة، حتى يصير فهمه للخطأ والصواب مرتبطًا بما يمكن للناس قوله، وليس في طبيعة الخطأ نفسه أو الشرّ نفسه!.
- من ناحية، يصبح هذا الإنسان فريسة سهلة لآراء الآخرين في عمله. يصير رأي الأكثريّة، أو حتى عدد معقول منهم في لحظة واحدة، أمرًا مُقدّسًا من فرط خشيته.
بذلك يتنصّل الإنسان من الأهم والأكثر ضرورة فيه، من شخصيّته، ومن قدرته على المواجهة!.
- وشيئًا فشيئًا، يبدأ بتكديس آراء الناس المُحتمَلَة، يجمعها من التجارب وممّا يتخيّل ويتوقّع. يُسكِنها فيه، وبناءً عليها، بناءً على ضرورة عدم مُعارضتها بأي شكل من الأشكال، وتحت أي ظرف من الظروف، يتصرّف!.
- ما إن تستمر هذه الحالة معه، حتى يبدأ بالارتجاج، وبالخوف حتى من نفسه، بل بالذات من نفسه!، تلك النفس التي أُشبِعَتْ بالتّصورات والتّوقّعات والتّخيّلات المُسبَقة لردّة فعل المجموعة، حتى مُسِخَتْ بها!.
- ومن ناحية أُخرى، فإن مثل هذا الفهم للصّواب والخطأ، كثيرًا ما يقود صاحبه إلى مجرّد الاهتمام بالخارجيّ من الأمور، ذلك أنّه وفي العميق من مثل هذه المقولة الناصحة، لا يجد، وهو مُحق في ذلك، أن الخطأ خطأً إلا حين يكون مكشوفًا للنّاس!.
وعليه فإنّ الخطأ لا يُعدّ خطأً، متى ما تمّ أمره في الخفاء، وكُتِم سرّه في قلب صاحبه!.
- “لا تعمل كذا، إيش راح يقولون عنك الناس” نصيحة، حتى إن بدَتْ بسيطة، وحتى إن قيلت بنيّة صالحة ومقاصد طيّبة، ليست إلا درسًا من دروس الفساد، وأرضًا صالحة لزراعة موظّف فاسد!.
- هنيئًا لمن كان قلبه ثَمَرًا، ولسانه أثَرًا!.