وكأنَّه لا يكفينا خصوم وأعداء يعملون على إنهاكنا وإلحاق الهزائم بنا كأمة عربية، كي يكون الإنهاك البيني أي بين العربي والعربي هو الأخطر وهو الأكثر إيلاماً.
يتساءل البعض إلى متى يمكن لدول الخليج أن تصبر على كم الإساءات المتكررة في حقها، خاصة المملكة العربية السعودية والإمارات من عدد من أشقائهم العرب، رغم أن هاتين الدولتين اللتين تضمان العدد الأكبر من الجاليات العربية والعدد الأكبر من العمالة العربية على أرض كل منهما؟
لقد عجز العقلاء من الشعوب العربية وهم يعتذرون نيابة عن هؤلاء السفهاء، لكثرة وتعدد الإساءات التي لم تعد استثناءات أو تحسب على قلة، فكثير من الأحيان يتفوه بتلك الإساءات مسؤولون وإعلاميون وشخصيات عامة معروفة، فما يدور في وسائل الإعلام التقليدية وفي وسائل التواصل الاجتماعي من سجالات لا ينتهي الواحد حتى يبدأ الذي يليه... عبارة عن حروب وصراعات عربية عربية، يصعب تجاوزها أو تركها لهذا العبث غير المسؤول، تلك حروب للعلم الخاسر فيها بالطبع هؤلاء السفهاء ومن يتعاطف معهم، فإلى متى هذا القبض على الجمر من أجل بقاء التماسك العربي والوحدة القومية العربية، وكل الروابط التي يسعى هؤلاء السفهاء لهدمها؟!!
لا يعلم من يهاجم أي دولة خليجية من دول مجلس التعاون من قِبل الإخوة العرب أنه يهاجم شعوب الخليج كافة، ويثيرهم ويستفزهم جميعهم بلا استثناء، ولن يتضرر من هذه الحرب العبثية أكثر من الشعوب العربية غير الخليجية، خاصة تلك التي ترتبط مصالحها مع دول الخليج أمنياً واقتصادياً.
من يعتقد أن الهجوم على المملكة العربية السعودية لا يعني شعب البحرين، أو أن الهجوم على دولة الإمارات لا يعني السعودية وكذا الحال مع بقية دول الخليج، فإنه واهم، ولا يعرف قوة الروابط التي تجمعنا ولا يعرف طبيعة العلاقة بين شعوب هذه المنطقة، كما لا يعرف أن الطبيعة الجيوسياسية بين دولها لها خصوصيتها التي تجعلها بالفعل كتلة واحدة، ورابط الدم بينهم أقوى مما يتصور، حتى أسرها الحاكمة أبناء عمومة، فعن ماذا تتحدثون؟
ورغم تلك الحقائق الدامغة على وحدة المصير إلا أن وسائل التواصل الاجتماعي وبرامج تلفزيونية حافلة بخطاب عربي هجومي غير مفهوم وغير مبرر بسبب وبلا سبب، وحين نقول «علينا» كشعوب خليجية فإنها واقع لا مجاز، وحتى وإن كان الهجوم على الأسر الحاكمة فتلك لها في رقابنا بيعة وما يمسهم يمسنا. هذه حقائق يعرفها العربي ويعرف تجذرها في وجدانه، ولا تغيب عن ذي حصافة.
الهجوم غير مسبوق على دول الخليج ليس من جماعة «الإخوان» فحسب وجماعة إيران؛ الهجوم قبل اتفاق الإمارات وإسرائيل وبعده، ويضع مسؤولية كل خيبة عربية وكل هزيمة عربية وكل تخلف عربي على دول الخليج، بل المفارقة أن الهجوم على الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي يظهر من شعوب طبعت مع إسرائيل ومع ذلك يتجرأ ويصف الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي بأنه خيانة! هناك تعسف وظلم واستهجان بالمشاعر وإساءات غير مبررة نبحث لها عن أسباب منطقية فلا نجد غير ردود فعل نابعة من مشاعر دفينة مجتمعة من (الحقد والحسد والبغضاء) فمن يختلف ويجد هذا التفسير تسطيحاً لمشكلة أعمق فليدلنا على هذا العمق لنحفر معه سوياً في أساس لا نراه لهذه الأزمة العربية.
وليس من باب المنة أو التفضل إنما للتذكير بملايين العرب الذين تستضيفهم دول الخليج، إنما لاضطرارنا للتذكير بأن مساعدات دول الخليج هي ما أبقت على دول عربية مستقرة إلى الآن، والأهم أننا لا نجد من أي دولة من الدول الخليجية - عدا قطر - من أساء أو عمل على الإضرار بأي شعب عربي، ولا يد غير يد الخير والعمل والبناء تجدها حتى من دول ذات موارد محدودة كالبحرين لها موقع في عدة دول عربية.
أما السعودية والإمارات والكويت فلها الفضل الكبير على معظم الشعوب العربية من دون منة ولا أذى، فما بالكم كيف تحكمون؟
قاتل الله الجهل والتخلف الذي يقود الإنسان إلى أن يفقأ عينه بيده، وتباً للجهل والتخلف الذي وقف بالإنسان عند زمانه وعند مكانه ويظن أن العالم هو الذي توقف، وعجز عن رؤية الأماكن الأخرى كيف تجاوزت أزمنته بسنوات ضوئية بجهدها وحكمتها وبحسن إدارتها لمواردها، فلنحافظ على ما تبقى من روابط تجمعنا قبل أن نعض أصابع الندم على التفريط فيها.