- هناك أسماء، أدبيّة وفنيّة، لعِظِم صيتها، وفرط شهرتها، وكثرة تداول الناس لها، يصير الوصول إليها صعبًا!. وتصير متابعة أعمالها مؤجَّلة على الدّوام!.
- يحدث ذلك، أحيانًا، للظّن، الذي يسكن كثيرًا من الناس، بأنّ فنون وآداب هذه الأسماء، صارت معروفة، من خلال النُّتَف والمتناثرات التي تدور على الألسنة!، أو في مواقع التواصل!.
ـ مرّةً قال لي مسفر الدوسري، شفاه الله: المتنبّي مسكين!، ذاع صيته لدرجة أنه لم يَعُد يُقرأ!.
- لكن، أحيانًا، وهذه الأحيان أكثر بكثير من الأحيان الأولى!، يحدث أمر آخر:
سطوة حضور مثل هذه الأسماء، تُشكّل عقبة كبيرة، تمنع من التعامل مع مُنجزاتها الفنيّة والأدبيّة، لأسباب عديدة!
- من ضمن هذه الأسباب: مهابتها!، إذ يشعر القارئ، أو المتلقّي، أنه ملزم بالإعجاب بهذه الأعمال سلفًا، وهذا حِمْل ثقيل حقًّا!،
لكنه حِمْل وهميّ، ولا أرى لرميه عن كواهلنا، وإزاحته بعيدًا، أفضل من الوثوق بأنه حِمل وهميّ “ببساطة، لأنه كذلك حقًّا!”، لا يستحق الالتفات إليه!.
- من ضمن الأسباب أيضًا، الظّن بأنّ هذه الأعمال، مُعقّدة، وليست في متناول الإنسان العاديّ، وأنّ أصحابها لم يتمكنوا من صنع أسمائهم بكل هذا الدّويّ، والبقاء كل هذا الزمن، لولا عمق أعمالهم الذي يصعب على غير المتخصص سبر أغوارها وكشف أسرارها والاستمتاع بها!.
- وما هذا إلا وهم آخر، يجب التطويح به بعيدًا، ليس لغياب العمق في تلك الأعمال طبعًا، لكن لأنّ البساطة التي قدّموا بها كل هذه الأفكار والتأملات والألوان والنغمات، كانت، وستظل، سبب الانبهار المُستحق بهم، وما خلودهم، في الغالب، إلا نتيجة لهذه المزاوجة العجيبة بين العمق والبساطة!.
- تقرأ اسم “تولستوي”، وبسرعة يمر في ذاكرتك كما خطف برق، المرّات التي سمعت بها مثل هذا الاسم، والكيفيّة المُعقّدة بعض الأحيان، التي تم فيها تناول أعماله، فتكتفي بالاسم وبعناوين بعض مؤلفاته، دون أن تدخل فيها!. مع أنه ليس أبسط من تولستوي أحد تقريبًا!. نعم، ليس سهلًا لكنه بسيط، وهنا سر العبقريّة!.
- وما ينطبق على تولستوي ينطبق على غيره من عباقرة الفن والأدب، في كل، وأيّ، مجال.
هل جرّبت سماع بيتهوفن؟!، أم اكتفيت، مثلما فعلتُ أنا زمنًا طويلًا، بمعرفة الاسم، ومعلومة فقدانه السّمع؟!. هل استمعت إلى مقطوعته “ضوء القمر”؟!. جرّب، في الغالب، ستجد أنك كنت، ودونما أي سبب وعائق، كنت تحرم نفسك من أبسط وأرق موسيقى!.