أصبح وليد الزيدي، أول وزير كفيف في تاريخ تونس، محطّ الأنظار والتعليقات والتقارير، حتى كاد الكثيرون ينسون بقية الوزراء الذين شملتهم حكومة هشام المشيشي.
الأضواء وجهت نحو كون الوزير الجديد الذي كلّف بالشؤون الثقافية ضريراً. وهذا أمر يمكن فهمه، فلم تعتد الحكومات في البلدان العربية أن تضمّ في قوامها وزراء من فئة ذوي الاحتياجات الخاصة، بمن فيهم فاقدو النظر، إذا ما استثنينا تعيين الدكتور طه حسين وزيراً للثقافة في مصر.
ولكن ذاك كان طه حسين بكل ما يمثله، وليس في محله أبداً تشبيه وليد الزيدي به، ففي ذلك ظلم للاثنين، لطه حسين وللزيدي، لأن هناك طه حسين واحداً لا غير، هو ابن عصره ومرحلته، وسنحتاج وقتاً سيطول حتى تظهر لدينا قامة أدبية وفكرية بوزن الرجل تترك من الأثر ما تركه، وفي تشبيه الزيدي بعميد الأدب العربي تحميل للوزير التونسي الشاب ما لا طاقة له به.
مع ذلك، فإنه يحسب لتونس، الرائدة في مجالات كثيرة، أن اختارت ضريراً ليكون وزيراً، وزيراً قادماً من صفوف الشعب، لا مفروضاً من نخب السياسة وأحزابها. في سيرته كل ما يظهر مثابرته ودأبه وتحديه لفقدانه البصر، وهي سمة نلحظها عند الكثيرين من ذوي الحاجات الخاصة في مختلف المجتمعات، فالزيدي هو أول كفيف تونسي يحصل على شهادة الدكتوراه في الآداب، وعمل أستاذاً للترجمة والبلاغة بكلية الآداب والفنون والإنسانيات بمنوبة، وباحثاً متخصصاً في العلوم البلاغية والتداولية، وكذلك باحثاً في علم نفس الإعاقة.
هناك جوانب أخرى مهمة في تعيين الزيدي وزيراً للثقافة غير كونه ضريراً، فهو، أيضاً، شاب في أوائل الثلاثينات من عمره (من مواليد 1986)، وبذلك يمثل شريحة واسعة، لعلّها الأهم والأكبر في المجتمع التونسي، شأنه في ذلك شأن كافة المجتمعات العربية، وفي اختيار شاب لوزارة بأهمية وزارة الثقافة التفاتة تحسب لتونس، فالغالب الأعم عند تشكيل الحكومات العربية هو إغفال فئة الشباب من التمثيل فيها.
كما أن وليد الزيدي آتٍ من ولاية الكاف، إحدى المناطق الداخلية في تونس التي توصف بالمهمشة، وهو تهميش موروث منذ تشكلّ الدولة التونسية الحديثة، حيث انصبّ الاهتمام على تطوير المناطق الساحلية، فكانت لها الحظوة الكبرى في التنمية وبناء المرافق والنهوض بالبنية التحتية، وهي أمور لم تنل نظيرها المناطق الداخلية.
لافتٌ ما قاله الوزير الشاب بعد تعيينه: «مشروعي هو إيصال الثقافة إلى المغمورين، إلى المنسيين، إلى الأطفال الذين يولدون في مناطق نائية، والذين تتقطع بينهم وبين الثقافة الأسباب».