وقّعت دولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين رسمياً، الثلاثاء الموافق 15 سبتمبر 2020، على معاهدة السلام التاريخية مع دولة إسرائيل.
مراسم التوقيع كانت في الولايات المتحدة الأميركية، وبحضور الرئيس الأميركي ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير خارجية الإمارات الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، ووزير خارجية البحرين عبداللطيف الزياني.. وقد اجتمعت الأطراف الأربعة على قيمة عالية للتعايش وحسن الجوار وتبادل المصالح، وهي «السلام».
يقول الشيخ عبد الله بن زايد: السلام يحتاج إلى شجاعة، وصناعة المستقبل تحتاج إلى معرفة. وهذا حقيقي، فكما هو قرار الحرب شجاعة لدى البعض، فقرار السلام أكثر شجاعة، خاصة في محيط شائك، اختزل السلام بأبشع الصفات التجريمية، كي تبقى منطقتنا حبيسة العداء، واختلال الأمن، ومجاملة أطراف استثمرت هذا العداء، وتاجرت بالاحتراب أكثر من سبعين عاماً. ولم تنجز سوى ملء الجيوب والخطابات الرنانة ورمي المسؤولية على كاهل الخليج، كلما استشعروا حلولاً مغايرة لتنصلاتهم، أو ابتزازاً باسم القضية الفلسطينية والقدس. فهل أنجزوا -فعلياً- غير ذلك؟ سؤال تاريخي لن يسعفنا أرشيف اثنين وسبعين عاماً من الاحتراب والمماطلات على إيجاد إجابته، بل كفيلة بحسمه المفاوضات السلمية التي تنبثق من السلام، لا الحروب ومآلاتها البشعة من تبادل القتلى والمآسي الإنسانية.
بالمفاوضات وعلى طاولات الحوار، استطاعت مصر والأردن استرداد أراضٍ كانت محتلة من قبل إسرائيل، ووفق المفاوضات ذاتها، سوف تحصل فلسطين على حقوق الدولة المسلوبة. والسلام الضامن للبقاء، أو ما يسمى بـ (حل الدولتين) ووقف التوسع الاستيطاني الذي تعهدت دولة الإمارات بمتابعته تحت اشتراطات معاهدة السلام المبرمة هذا الأسبوع.
والراصد لتاريخ القضية الفلسطينية سيجد أن إسرائيل كانت تحتكم على51% من الأراضي، بينما حصة فلسطين 49%، إضافة إلى حصة منطقة القدس وبيت لحم والأراضي المجاورة، وذلك حسب قرار الجمعية العامة التابعة لهيئة الأمم المتحدة رقم (181)الصادر في 29 نوفمبر 1947، لتمتد حصة إسرائيل الجغرافية، مع مرور الزمن، إلى أكثر من 80% دون توقف، وهذا ما أنجزه الساخطون من الاتفاق الإبراهيمي للسلام.
خارج لعبة الأجندات والمصالح الشخصية، ومن أجل دفع عملية السلام للصالح الفلسطيني، تمت الاتفاقية. ومن أجل السلام أيضاً، دخلت منطقة الخليج مرحلة جديدة من الانسجام مع واقعها الذي تفرضه المتغيرات. فإسرائيل لم تعد العدو الأول للخليج الذي يبحث عن الأمن والاستقرار لمرحلة تحتم السلام والتعايش من جهة، وتفرض التحالفات من جهة أخرى، درءاً لخطر عدو تركي حقيقي يحاول التوسع غرباً ليلتهم منطقة بأكملها، متمسكاً بحلم النفخ في رفات الخلافة العثمانية البائدة، وعدو آخر يقذف صواريخه في قلب المملكة العربية السعودية وجوار بيت الله الحرام، ويلتهم 4 عواصم عربية. هنا، السلام يفرض نفسه كخيار استراتيجي سياسي وأمني تحتمي به منطقة الخليج، وتحمي أراضيها ومقدراتها وشعوبها.
اتفاق السلام هو الخيار الأمثل الذي تتجلى فيه الحكمة والشجاعة معاً، وهو حق مشروع لدول ذات سيادة ومكانة وثقل، دون إملاءات ممن يرغب في سبعين عاماً أخرى من الصراعات والابتزاز باسم القضية. الاتفاق قد يكون أولى خطوات الحل لهذا الصراع، والذي سينهي حقبة من الفشل والإخفاقات، ويؤسس أرضية للسلام في المنطقة برمتها.. إنه سلام الشجعان الذين كسروا «التابوه»، وفتحوا آفاق فجر جديد للتعايش!